ما يجري جزء من استراتيجية إسرائيلية بعيدة المدى

إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: إسرائيل تُشعل الجبهات: فرض مشروع التقسيم بالنار والدم والهيمنة على المنطقة

profile
  • clock 17 يوليو 2025, 1:46:36 م
  • eye 422
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
إسرائيل تُشعل الجبهات

في لحظة مشبعة بالتوتر الإقليمي، شنت إسرائيل عدواناً جوياً جديداً استهدف مواقع عسكرية حساسة في قلب العاصمة السورية دمشق، بينها مباني قيادة الأركان ومواقع في قصر الشعب، إضافة إلى أهداف أخرى في مناطق سورية متفرقة، تحت ذريعة واهية باتت مكرورة ، لكن ما يتجاوز القصف المادي هو الهدف السياسي العميق الكامن خلف هذا الهجوم، إذ جاء هذا العدوان في ظل الدولة السورية الجديدة الضعيفة سياسيا وعسكريا والتي تحاول بسط الأمن والنظام في مناطق السويداء ذات الغالبية الدرزية، حيث كانت تشهد توترات بفعل تغلغل الفوضى ومشاريع الخارج.


ما يجري ليس مجرد قصفٍ عابر، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية بعيدة المدى، تعتمد على التدخل المتكرر في الشأن السوري من أجل تفكيك النسيج الوطني السوري، وتغذية الصراعات المناطقية والطائفية، وإعادة إنتاج خرائط جديدة على أسس التفتيت والتقسيم، هذه ليست مجرد غارات، بل رسائل نارية مفادها أن "تل أبيب" لن تسمح بعودة الدولة السورية إلى السيطرة الكاملة على أراضيها، وخاصة في المناطق التي تمس التوازنات الطائفية الحساسة ، فاللعب الإسرائيلي على الحبل الدرزي في السويداء، بعد اللعب على الحبل العلوي والسنّي والكردي سابقاً، يكشف بوضوح عن مشروع قديم يتجدد: تفتيت سوريا إلى كانتونات هشة عاجزة عن تشكيل أي تهديد لإسرائيل مستقبلا .


ويأتي هذا العدوان فيما لا تزال حرب الإبادة مستمرة في قطاع غزة، وسط صمت دولي مريب، وامتداد للعدوان ليطال الضفة الغربية ولبنان، في مشهد يشبه الزلزال الاستراتيجي الذي تعيد من خلاله إسرائيل رسم ملامح المنطقة بنار الطائرات وجنازير الدبابات، إنها حالة من الانفلات السياسي والعسكري الإسرائيلي، لا رادع لها، لأن الردع العربي غائب بفعل الانقسام، بل ميت بفعل التسابق المخزي نحو التطبيع.
الصمت العربي، إن لم نقل التواطؤ، يشجع إسرائيل على التمادي أكثر فأكثر من قصف دمشق وقبلها بيروت و صنعاء ، إلى طهران ومحارق غزة اليومية، إلى محاولات خنق جنوب لبنان، وضم الضفة الغربية، تتصرف إسرائيل اليوم وكأنها السيد الأوحد في الإقليم، بلا رادع، بلا مساءلة، بينما العواصم العربية منشغلة باحتضان الوفود الإسرائيلية على السجاد الأحمر، وبناء المدن السياحية والموانئ المشتركة، ظناً أن الانبطاح قد يقيها شر العدوان.


لكن التاريخ يعلمنا أن من يقدّم رأس شقيقه اليوم، لن ينجو غداً ، والكيان الذي يضرب دمشق اليوم، لن يتردد غداً في ضرب غيرها ، إن اقتضت مصالحه ذلك . فإسرائيل لا تقيم وزناً للمواثيق، ولا تحترم حدوداً، ولا ترى في التطبيع سوى بوابة للهيمنة الناعمة التي تسبق الانقضاض الكامل.

وإذا كانت سوريا تُستهدف في قلب مؤسساتها الأمنية والعسكرية، في الوقت الذي تخوض فيه حرباً معقدة منذ أكثر من عقد، فإن هذه الغارات تمثل دعماً مباشراً لكل الجماعات الانفصالية والمسلحة التي تعمل على تقويض وحدة الدولة، في لحظة تحاول فيها لملمة ما تبقى من نسيجها الوطني، وهنا يكشف العدوان الإسرائيلي عن تماهٍ واضح مع أجندات التقسيم المدعومة غربياً، والتي ترى في وحدة سوريا، كما وحدة العراق ولبنان ، خطراً استراتيجياً على المشروع الاستعماري الجديد في المنطقة.

في النهاية، لا يمكن فهم الغارات على دمشق دون ربطها بالمحرقة الجارية في غزة، وبحالة الاستهداف الشامل لفكرة المقاومة، ولأي دولة أو كيان يمكن أن يشكل حاضنة أو داعماً لها، المعركة واحدة، والساحات مترابطة، والعدو ذاته، والهدف أوضح من أي وقت مضى: شرق أوسط جديد على المقاس الصهيوني، هش، مفكك، مشغول بطوائفه وحدوده ومناطقه، منزوع الكرامة والقرار والسيادة.

فكم بقي من الوقت قبل أن تطال نيران إسرائيل كل بيتٍ عربي؟ كم بقي من العواصم لتُقصف، ومن الشعوب لتُشرد، ومن التاريخ لتُطوى صفحاته أمام أعيننا؟ لا تصدقوا أن الصمت يحمي، أو أن التطبيع يُطيل عمر الأنظمة، فإسرائيل لا تحترم الخانعين، بل تستخدمهم ثم تسحقهم، وإن لم نستفق اليوم، فإن غارات الأمس على دمشق ، قد تكون مقدمة لغارات الغد على ما تبقى من هذا الوطن الكبير.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)