إسرائيل تغتال متخصصي الذكاء الاصطناعي الإيرانيين إلى جانب علماء النووي

profile
  • clock 16 يونيو 2025, 3:09:43 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الدكتور محمد باقر خرمشاد، أستاذ علم الاجتماع السياسي الإيراني

متابعة: عمرو المصري

استهدفت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران مراكز علمية وأدت إلى استشهاد عدد من العلماء النوويين والقادة البارزين في إيران، ما كشف عن أبعاد جديدة من التهديدات الأمنية الموجهة ضد إيران. إذ باتت التوترات والتحركات المقصودة التي يقوم بها الكيان الصهيوني لا تقتصر على المجالات العسكرية فحسب، بل امتدت لتطال القطاعات العلمية والبحثية، ما يعزز من الأهمية الاستراتيجية للقوة العلمية والعسكرية في معادلة البقاء والتقدم لدى إيران.

وفي هذا السياق، قدّم الدكتور محمد باقر خرمشاد، أستاذ علم الاجتماع السياسي وعضو الهيئة التدريسية في جامعة "العلامة طباطبائي"، خلال حوار مع وكالة "تسنيم"، قراءة تحليلية لسلسلة الاغتيالات والهجمات الأخيرة، وتناول الخلفيات الخفية لهذه الأحداث، وأسباب استهداف النخب الإيرانية، وانعكاسات ذلك على مستقبل البلاد والمنطقة.

تعزيز جناحي القوة الأساسيين: القوة العلمية والقوة العسكرية

وقال خرمشاد في حديثه لمراسل "تسنيم"، تعليقاً على أسباب اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين من قبل الكيان الصهيوني، وعلى مسألة إمكانية تعويض هذه الشخصيات وتأثير هذه الأحداث على مستقبل إيران والمنطقة: "أودّ أولاً أن أقدّم تعازيّ لشعبنا الإيراني باستشهاد قادتنا ومفكرينا وعلمائنا. النقطة الأساسية التي يجب الإشارة إليها هي أن قوة أي أمة أو دولة في العالم المعاصر تعتمد بشكل كبير على مصدرين: القوة العلمية والقوة العسكرية. هذان العاملان هما اللذان يصنعان القوة الحقيقية لأي شعب أو يسقطانها".

وأضاف: "من الطبيعي أن القوة الاقتصادية تشكّل خلفية داعمة للقوة العلمية والعسكرية، وهذا كلام صحيح، لكن الأساس في بناء القوة الحقيقية لأي مجتمع يكمن في العلم والعسكرة".

وأشار عالم الاجتماع السياسي إلى أن الحديث عن رغبة الأعداء في كبح جماح إيران القوية ومحاولتهم ضرب مصادر قوتها أو حرمانها منها، هو حديث متكرر منذ سنوات، لكنه لم يكن يُؤخذ بجدية في بعض الأوساط العامة أو من قبل بعض الأفراد. وأضاف أن الأحداث التاريخية تشكّل، في علم السياسة، مختبرات حقيقية لاختبار الفرضيات والنظريات.

الهجمات الأخيرة: دليل على استهداف مزدوج للمراكز العسكرية والعلمية

وتابع عضو هيئة التدريس في جامعة "العلامة طباطبائي"، مشيراً إلى الحدث الأليم الذي وقع يوم الجمعة 23 خرداد (13 يونيو) في طهران، قائلاً: "ما حدث يمثل مختبراً سياسياً أثبت فرضيتين مهمتين؛ الأولى أن أعداء إيران يسعون لتقويضها علمياً وعسكرياً، والثانية أنهم في كل مرة يخططون فيها لهجوم، فإنهم يستهدفون إما مراكز عسكرية ورموز القيادة، أو مراكز علمية وعلماء بارزين".

وأكد أن ما جرى يثبت صحة الفرضيتين، ويبرهن أن القوة في العالم المعاصر هي مزيج من العلم والعسكرة، وأن أعداء إيران يركزون على تحجيم هذين الجانبين من قوتها. وأضاف: "كما رأينا، فإن عدد الشهداء من كبار القادة العسكريين يقارب عدد العلماء الذين استُشهدوا. ولم يقتصر الأمر على العلماء النوويين فحسب، بل شمل أيضاً علماء الذكاء الاصطناعي الذين تم اغتيالهم".

دروس للمجتمع العلمي من الاغتيالات

وأوضح خرمشاد أن ما حدث يدلّ على أنه إذا تُرك المجال مفتوحاً لأعداء إيران، خصوصاً الكيان الصهيوني، فإنهم لن يترددوا في القضاء على جميع العلماء في جميع المجالات والتقنيات المتطورة. وأضاف: "هذه استراتيجيتهم في كل الدول الإسلامية، حيث قاموا بعمليات اغتيال في ماليزيا، وإندونيسيا، ودول الخليج، وشمال أفريقيا. لا توجد منطقة لم تمتد إليها أيادي الكيان الصهيوني لاستهداف العلماء المسلمين".

وتابع موضحاً أن "نواة" العلماء في المجال النووي الإيراني – الذين كان معظمهم من أعضاء هيئة التدريس في جامعة "الشهيد بهشتي" وكانوا يشكّلون فريقاً متماسكاً – قد تم استهدافها. وأردف قائلاً: "في السابق، كانت هناك محاولات لاغتيال اثنين منهم، هما الشهيد شهرياري (الذي استشهد لاحقاً) والشهيد عباسي (الذي نجا من محاولة الاغتيال الأولى). أما هذه المرة، فقد تم تنفيذ العملية على شكل هجوم شامل أمني-إرهابي-عسكري، لا كحادثة اغتيال فردي في الشارع".

تحليل استهداف المدنيين

وأكد عضو هيئة التدريس أن ما نشهده هو خطر حقيقي لا يترك أمامنا من خيار سوى تقوية إيران في المجالين العلمي والعسكري، وإلا فإن القوى الشريرة في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ستلتهمنا.

وأوضح أنه "بناءً على سلوك الكيان الصهيوني خلال السبعين سنة الماضية، لا سيما ما جرى في غزة خلال السنة والنصف الماضية وما تكرر بصورة مصغرة في إيران، يبدو أن هذا الكيان لا يعترف بوجود بشر سوى نفسه. فهم يعتبرون أن الإنسان الوحيد الجدير بالحياة هو ذاك الذي ينتمي إليهم، أما الآخرون فلا حق لهم في الحياة".

وشدد على أن "الكيان الصهيوني يعتقد أنه هو من يمنح الآخرين فرصة الحياة، وإذا رأى من الضروري سلبهم تلك الحياة، فإنه لا يتردد في ذلك. هم يقتلون دون أن يرمش لهم جفن، ويستهدفون علماءنا جميعاً – نوويين وغير نوويين – وخصوصاً العلماء المتخصصين في التقنيات العليا الذين يشتغلون في حدود العلم والتكنولوجيا".

واعتبر خرمشاد أن هذه العقلية الصهيونية تشكّل تهديداً ليس فقط للمسلمين، بل للبشرية جمعاء، موضحاً أنه "إذا تمكنوا من القضاء على المسلمين، فإنهم سيفعلون الشيء ذاته بالمسيحيين والبوذيين وكل الشعوب الأخرى، لأنهم ببساطة لا يرون في غيرهم كائنات تستحق الحياة".

الاغتيال الجسدي للنخب: إستراتيجية طويلة الأمد لوقف التنمية

ولفت خرمشاد إلى أن "النقطة المهمة التي يجب التوقف عندها، أن النقاشات في الأشهر الماضية داخل إيران كانت تتجه نحو تساؤلات وانتقادات بشأن الوجود الإيراني في غزة ولبنان وسوريا والعراق. وكان الردّ الدائم هو أننا إذا لم نواجه العدو هناك، فسنضطر لمواجهته هنا في طهران".

وأضاف: "اليوم، وبعد محاولة اغتيال الشهيد حسن نصرالله، ثم ضرب سوريا، ثم استهداف العراق، نرى أننا نواجه فعلاً الهجمات في طهران، وشيراز، وأصفهان، وتبريز، وخرم‌آباد. حين كانت جبهات المقاومة نشطة، لم يكن للعدو وقت أو قدرة على مهاجمتنا في الداخل".

وأكد أن "العدو لا يفرّق بين لبناني وسوري وعراقي ومصري وأردني وإيراني؛ لأن لديه رؤية غير إنسانية. هو لا يخجل من قتل النساء والأطفال والشيوخ، وهذه حقيقة لم يدركها البعض إلا بعد أن دوّت انفجارات طهران".

وفي حديثه عن الشهيد فريدون عباسي، قال خرمشاد: "كنت أعمل معه عندما كنت معاوناً لوزير العلوم، وكان هو معاوناً شؤون الطلاب في جامعة الشهيد بهشتي. كان ثورياً، مؤمناً، بصيراً، متواضعاً، ومتفانياً في عمله. رغم كونه متخصصاً في الفيزياء والفيزياء النووية، تولى مهام خدمية شاقة من أجل راحة الطلاب".

وتابع قائلاً: "عندما كان نائباً في البرلمان، كنت أنا معاوناً سياسياً لوزير الداخلية، وكانت لنا لقاءات عمل عديدة. كان صديقاً ودوداً وخلوقاً. إنه من الثمار الحقيقية للثورة الإسلامية".

وتحدث خرمشاد أيضاً عن الشهيد محمد مهدي طهرانچي، قائلاً: "تعرفت إليه خلال عملي في وزارة العلوم حين كان رئيساً لجامعة الشهيد بهشتي. كان شخصاً ودوداً، دائم الابتسام، محباً للعمل، وموجهاً بالمهام. كان يتواجد أينما دعت الحاجة، ويقوم بدوره بفعالية. وكان بحق شخصية كبيرة تستحق نهاية كالشهادة".

وفيما يخص الشهيد مينوچهر، رئيس كلية العلوم النووية بجامعة الشهيد بهشتي، أوضح خرمشاد أنه لم يلتقِ به شخصياً، لكنه سمع عنه كثيراً من أصدقاء مشتركين. وأضاف: "لقد تأثرت كثيراً باغتياله مع هذا الفريق النشيط والفعّال، على يد ذئاب الكيان الصهيوني".

وأشار إلى أن "هؤلاء الشهداء قدّموا كل ما بوسعهم في مجالهم العلمي من أجل عزة إيران. وكما أن هناك من يرفع الراية بعد سقوط القادة العسكريين، علينا نحن أيضاً، في الساحة العلمية، أن نرفع الراية ونواصل طريقهم".

واختتم خرمشاد حديثه بالإشارة إلى أن "إسرائيل تستخدم ثلاثة أنماط في عمليات الاغتيال: ففي بعض الدول تستهدف العلماء فقط وتفشل المشاريع النووية؛ وفي دول أخرى تستهدف المواقع والمنشآت؛ وفي حالات ثالثة، كما في إيران، تستهدف الاثنين معاً".

وختم قائلاً: "لكنهم نسوا أن إيران ليست كغيرها. رغم استهداف المواقع والعلماء، إلا أن طلاب الدكتوراه الشباب، الذين لا يعرفهم أحد اليوم، سيكملون الطريق، وسيسجل التاريخ ذلك".

التعليقات (0)