أطفال الخيام هدف الاحتلال

610 أيام من إبادة غزة: 35 شهيدا من عائلة خضر وحدها

profile
  • clock 7 يونيو 2025, 9:41:34 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
جرحى وصلوا مجمع ناصر جلهم أطفال جراء قصف خيام النازحين بمدينة أصداء في مواصي خان يونس

متابعة: عمرو المصري

في اليوم الثاني من عيد الأضحى، وبينما كانت أُسرٌ فلسطينية تحاول التقاط لحظات من الفرح رغم الجوع والنزوح، فجّرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي تلك اللحظات إلى أشلاء ودخان. لم تأتِ تكبيرات العيد هذه المرة من المساجد، بل جاءت صرخات من تحت الركام، ونشيج آباء يبحثون عن بقايا أبنائهم، وأمهاتٍ يحملن بقايا أثواب أطفالهن الملطخة بالدم.

على امتداد 82 يومًا من استئناف الحرب، و610 يومًا من العدوان المستمر على غزة، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ حرب إبادة ممنهجة، تستهدف البشر والحجر، وتفتك بكل ما تبقى من مقومات الحياة في القطاع المحاصر. وكل ذلك يجري تحت غطاء سياسي وعسكري أمريكي، ووسط صمت دولي مشين، وخذلان غير مسبوق من المؤسسات الإنسانية والمجتمع الدولي.

مجزرة عائلة خضر: عيد بلا أحد

من بين المشاهد التي تُجسّد عمق المأساة، برزت مجزرة مروعة نفذتها قوات الاحتلال في جباليا شمال قطاع غزة، راح ضحيتها أكثر من 35 شهيدًا من عائلة واحدة، هي عائلة خضر. قصفٌ عنيف دمّر منزل العائلة بالكامل، فتطايرت الأجساد، وتبعثرت الأرواح، وانهار البيت بمن فيه.

روى المصور الصحفي عبد الرحيم خضر تفاصيل المأساة بقلب مكسور:

"خرجت صباح يوم العيد إلى عملي كالمعتاد، وبعد ساعة فقط من مغادرتي تلقيت اتصالًا من الجيران أبلغوني فيه أن منزلي قد تم استهدافه بالكامل. لم أجد بيتًا، بل ركامًا. فقدت عائلتي بأكملها... رأيت أشلاء أبنائي متناثرة، بعضهم لم أستطع التعرف عليه. فقدت وعيي من هول الكارثة. في لحظة واحدة، خسرْتُ عائلتي كلها."

ومن بين الشهداء:

المهندس محمد إسماعيل خضر، وزوجته سهام خضر فارس خضر، وأبناؤه الخمسة: إبراهيم، مصطفى، كريم، آية، وليان.

المهندس رمزي إسماعيل خضر، وزوجته أحلام حسين خضر، وأبناؤهم: الدكتور سلطان، الدكتورة ندى، رنا، أحمد، رغد، لانا.

محمد عبد الرازق خضر وزوجته الدكتورة عايدة إسماعيل خضر، وأطفاله: عبد الرازق، أسيل، فرح، حلا.

الدكتور عبد القادر حسين خضر، وزوجته فاتن إسماعيل خضر، وأبناؤه: حسين، بسام، شهد، بسمة، لمى.

إلهام شحدة فارس خضر وأبناؤها: حنين، ريما، ديما، رشا، عامر، شادي.

في ساعات قليلة، محيت عائلة بأكملها من سجل الحياة، وأصبح عيدهم ذكرى دموية لا تُنسى.

دماء في صفوف النازحين

لم تسلم الخيام التي احتمى بها النازحون من نيران القتل. في خانيونس، استهدفت الطائرات الإسرائيلية خيمة تؤوي عائلة نازحة في محيط شارع 5، فاستشهد عيسى صالح يوسف خليفة وزوجته فاطمة رشاد محمد خليفة، وطفلاهما مؤمن وصالح. لم تكن تلك العائلة الأولى ولا الأخيرة التي تُباد داخل خيمة نزوح، إذ تكررت مشاهد القصف في رفح ومواصي خان يونس، حيث استُشهد 12 مواطنًا في قصف استهدف خيام النازحين.

تقول مصادر طبية إن أكثر من 115 فلسطينيًا استُشهدوا بنيران الاحتلال أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الغذائية، منذ السابع والعشرين من الشهر الماضي، بينما أصيب أكثر من 580 آخرين، لا لشيء سوى أنهم حاولوا البقاء أحياء.

كاميرات الصحفيين وثقت مشاهد تقشعر لها الأبدان: أبٌ وابنته ينحنون لجمع بقايا الطحين من الأرض. لم يكن مشهدًا عابرًا، بل خلاصة لجريمة ممنهجة: حصار، وتجويع، وقصف.

من رفح إلى غزة.. الموت لا يهدأ

توزعت المجازر على كامل جغرافيا القطاع. في غزة، استُهدفت منازل في حي الشجاعية، وجبل الصوراني، وحي التفاح، ووسط المدينة. في بيت لاهيا شمالًا، نفذ الطيران الحربي غارات عنيفة، أسفرت عن شهداء وجرحى.

أما جنوبًا، فقد شهدت رفح وخان يونس أعنف الهجمات، حيث استُهدفت تجمعات نازحين، ومنازل سكنية، وحتى نقاط توزيع المساعدات. في محيط محطة المجايدة بمواصي خان يونس، استُشهد أسماء عصام منصور ومؤمن ومحمد غسان محمد إسماعيل جراء قصف منزلهم. أما الطفلة ليان ياسر الجعب فقد ارتقت شهيدة في قصف لطائرة مسيّرة استهدف نقطة شحن جوالات، كانت تتجمع فيها أسرٌ تبحث عن وسيلة للتواصل مع أحبائها.

وفي مجمع الشفاء غرب مدينة غزة، فُجع السكان بقصف دموي أدى إلى استشهاد عدة أفراد، لم تُعرف هويتهم بعد.

حصيلة المجازر: أرقام مرعبة وضمير عالمي غائب

منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، وحتى اليوم، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجازرَ مروّعة بحق الفلسطينيين، أسفرت عن أكثر من 54,607 شهيدًا، وإصابة 125,341 مدنيًا، معظمهم من النساء والأطفال. بينما تُشير التقديرات إلى وجود أكثر من 11,000 مفقود تحت الأنقاض، لا يُعرف مصيرهم.

في أول أيام عيد الأضحى وحده، سُجل ارتقاء 45 شهيدًا، أما ثاني أيام العيد، فقد شهد 32 شهيدًا على الأقل، بينهم عائلات بأكملها، لتتحول أيام الفرح إلى مآتم جماعية.

الموت جوعًا: المجاعة كسلاح حرب

إلى جانب القصف، تستخدم سلطات الاحتلال سلاح التجويع الجماعي، بعدما منعت إدخال المواد الغذائية منذ مارس الماضي. سكان القطاع يعيشون على ما يمكن جمعه من بقايا الطعام. عشرات الأطفال ماتوا جوعًا أو من مضاعفات سوء التغذية. ولم تسلم المستشفيات والمراكز الطبية من الحصار، فأُغلقت معظمها بسبب نفاد الوقود والإمدادات الطبية، وتحولت الطواقم الصحية إلى شهود عاجزين أمام طوابير الألم.

بين الاحتلال والصمت.. غزة تُباد

كل ما يحدث في غزة، من مجازر يومية إلى حصار خانق وتجويع ممنهج، لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة جماعية، تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم. رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يواصل حربه مدعومًا بالكامل من الولايات المتحدة سياسيًا وعسكريًا، ومؤسسات المجتمع الدولي تقف صامتة، وكأن حياة الفلسطينيين لا تساوي شيئًا.

في غزة، لم تعد هناك "مناطق آمنة"، ولا يوجد شيء اسمه "بعيد عن الخطر". الأطفال يموتون في أحضان أمهاتهم، والنازحون يُقصفون داخل الخيام، والمرضى يُتركون ليموتوا ببطء.

عيد من نار

ثاني أيام عيد الأضحى في غزة لم يكن سوى امتدادٍ لعيد الحزن، عيد الدمار، عيد الفقدان. ومع حلول اليوم الـ610 من هذا العدوان الوحشي، لا يزال الفلسطينيون يدفنون أحبتهم تحت القصف، ويجمعون بقايا الطعام من الأرض، ويصرخون في فراغ لا يردّ عليه أحد.

في غزة، العيد ليس إلا ذكرى أخرى للمجزرة.

التعليقات (0)