-
℃ 11 تركيا
-
21 يونيو 2025
نهاية النفط الرخيص: كيف تفجّر حرب إسرائيل وإيران أزمة طاقة عالمية؟
نهاية النفط الرخيص: كيف تفجّر حرب إسرائيل وإيران أزمة طاقة عالمية؟
-
21 يونيو 2025, 12:32:22 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
استمرار المواجهات بين إيران وإسرائيل قد يصعد بالنفط إلى مستوى 150 دولارا للبرميل
متابعة: عمرو المصري
قال الباحث الهندي مانِيش فايد، الزميل في "مؤسسة أوبزرفر للأبحاث" والمتخصص في قضايا الطاقة الاستراتيجية والتحول الأخضر، إن عصر النفط الرخيص يوشك على النهاية، والسبب ليس اقتصاديًا بحتًا، بل سياسي-أمني بامتياز، إذ تعود جذور الأزمة إلى تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، وما ترتب عليها من اضطرابات بحرية ومخاوف متصاعدة في أخطر الممرات الملاحية في العالم.
وأضاف الباحث في تحليل نشره في النسخة الإنجليزية من موقع "روسيا اليوم" (RT)، أن تداعيات الحرب بين طهران وتل أبيب لا تقتصر على الأضرار المباشرة أو التهديدات العسكرية، بل تشمل كلفة خفية ترتفع باطراد على الاقتصاد العالمي، تتجلى في ارتفاع رسوم التأمين، واصطدام ناقلات، وتعقيدات لوجستية تنذر بمزيد من التضخم وتهديد استقرار إمدادات الطاقة.
مضيق هرمز تحت الضغط
أشار فايد إلى أن حالة عدم اليقين التي ضربت أسواق النفط العالمية منذ اندلاع الصراع الإيراني-الإسرائيلي تعود بشكل أساسي إلى زعزعة الاستقرار في أكثر مضيقين حيويين في العالم: هرمز وباب المندب. فمنذ بداية التصعيد، ارتفعت جاهزية الجيش الإيراني في محيط مضيق هرمز، وظهرت إشارات تشويش إلكتروني متعمد تؤثر على أنظمة التتبع في السفن التجارية، ما أدى في 17 يونيو إلى تصادم ناقلتي نفط قرب المضيق، أعقبته حرائق وإخلاء طواقم، في واقعة لم تُسجَّل فيها تسريبات نفطية لكنها تؤشر على هشاشة الوضع.
ورغم أن هذه التحركات الإيرانية قد تُفهم على أنها إجراءات ردعية، إلا أن إدراك المخاطر الإقليمية بات أمرًا واقعيًا لا يمكن تجاهله. وسجلت السفن التجارية كذلك تشويشات ملاحية قرب ميناء بندر عباس الاستراتيجي. كما أصدرت السلطات البحرية في اليونان – التي تشغّل أكبر أسطول ناقلات في العالم – تعليمات للسفن بتوثيق كل مرور عبر المضيق، ما يعكس مدى الجدية التي تنظر بها الدول إلى هذه التهديدات.
ويحذر فايد من أن أي خطأ – سواء كان قذيفة طائشة أو ردًا من طرف إقليمي كجماعة الحوثي – قد يؤدي إلى إغلاق مؤقت لهذا الشريان الحيوي، مما سيؤدي فورًا إلى ارتفاع حاد في الأسعار واضطرابات لوجستية عالمية.
قفزة في التأمين والنقل
حتى دون إغلاق كامل للمضيق، يؤكد فايد أن العواقب الاقتصادية باتت محسوسة. فقد ارتفعت أقساط التأمين ضد أخطار الحرب للسفن المتجهة إلى الخليج، وقفزت أسعار الشحن لناقلات النفط العملاقة (VLCC) من الخليج العربي إلى آسيا بأكثر من 20% منتصف يونيو، مع توقعات بمزيد من الارتفاع في حال تصاعد التوتر.
ويضيف أن وكلاء التأمين في لندن يقدّرون أن تكلفة إضافية تتراوح بين 3 إلى 8 دولارات للبرميل الواحد قد تضاف فقط نتيجة إعادة تقييم المخاطر. وهذه التكاليف غير المباشرة ستُحمّل في النهاية للمستهلكين، خاصة في الدول المستوردة للطاقة والتي تعاني أصلًا من ارتفاع معدلات التضخم.
باب المندب وسيناريو الالتفاف
يمتد تأثير التوترات إلى البحر الأحمر، حيث تتصاعد تداعيات هجمات الحوثيين منذ أواخر 2023، والذين استهدفوا سفنًا تجارية عند مضيق باب المندب. ويقول فايد إن هذه الهجمات دفعت معظم خطوط الشحن، وبعض ناقلات النفط، إلى تجنب المرور عبر قناة السويس، مفضلين الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح. هذا التحول يضيف 10 إلى 14 يومًا على زمن الرحلات، ويؤدي إلى ازدحام في الموانئ الإفريقية، ما يعمّق أزمة سلاسل التوريد ويرفع تكاليف الشحن.
وعلى الرغم من التوصل إلى هدنة مؤقتة مطلع العام، ظلت الحركة في البحر الأحمر ضعيفة، وسجّلت هيئة قناة السويس انخفاضًا دراماتيكيًا في العائدات: من 2.4 مليار دولار إلى 880 مليونًا فقط خلال عام. ورغم تقديم مصر حوافز تصل إلى 15% لاستعادة الحركة، لا تزال شركات الشحن مترددة في العودة.
أما قطاع التأمين، فانعكس عليه هذا القلق بوضوح. ووفقًا لتقرير صادر في 17 يونيو، تراوحت أقساط التأمين ضد الحرب للسفن المتجهة إلى إسرائيل بين 0.7% و1% من قيمة السفينة. وبالنسبة لناقلة بقيمة 100 مليون دولار، فإن ذلك يعني إضافة نحو مليون دولار على رحلة لا تتجاوز أسبوعًا. هذه التكاليف المرتفعة تبرز الأبعاد الاقتصادية العميقة لانعدام الأمن البحري.
أمن الطاقة في عالم مفكك
يرى فايد أن هذا التصعيد يكشف هشاشة البنى التحتية العالمية للطاقة، إذ باتت ممرات الطاقة في الخليج أكثر عرضة من أي وقت مضى. فعلى الرغم من محاولات دول كالسعودية والإمارات والعراق طمأنة الأسواق – حيث عرضت الرياض على سبيل المثال شحنات نفط إضافية لتقليل أثر التقلبات – إلا أن خطر التصعيد الشامل لا يزال قائمًا.
ويؤكد الباحث أن مفهوم "أمن الطاقة" لم يعد يقف عند حدود المخزونات أو استقرار الأسعار، بل يجب أن يشمل تنسيقًا دوليًا أشمل، بما في ذلك: عمليات بحرية إقليمية تضمن سلامة الملاحة، وتطوير أنظمة استخبارات بحرية فورية، وآليات لتفادي التصادمات العسكرية.
كما يشير إلى أهمية الاستثمار طويل المدى في بدائل آمنة، كأنابيب الغاز تحت البحر، وممرات النقل البرية، وتوسيع الموانئ في المناطق الأقل خطورة. فكل ذلك يجب أن يكون جزءًا من خطط الطوارئ الجديدة.
الدبلوماسية كأداة ردع
يشدد فايد على أن الدبلوماسية لا تقل أهمية عن التدابير التقنية، إذ يمكن لإجراءات بناء الثقة بين الدول البحرية الرئيسية، وإنشاء قنوات اتصال لحل الأزمات، أن تساعد في منع التصعيد غير المقصود. الهدف – كما يوضح – ليس المواجهة، بل التوصل إلى التزام مشترك بالحفاظ على انسيابية الشحن العالمي.
ويخلص الباحث إلى أن الصراع الحالي يذكر العالم بحقيقة جذرية: أن طرق الطاقة هي شرايين الاقتصاد العالمي. وإذا استمرت التهديدات التي تطال هذه الممرات دون ردع فعال، فإن العالم لن يواجه فقط ارتفاع الأسعار، بل احتمالية ترسخ أزمة استقرار منهجية في مجال الطاقة.
في ختام تحليله، يؤكد فايد أن ضمان حرية الملاحة لم يعد مسألة أيديولوجية، بل ضرورة عملية لتأمين استمرارية النظام الاقتصادي العالمي في زمن متقلب وعالي المخاطر.







