-
℃ 11 تركيا
-
14 يونيو 2025
مصر بين مطرقة واشنطن وسندان الخليج: صراع إقليمي على النفوذ في البحر الأحمر
السعودية عرضت استضافة قاعدة أمريكية على جزيرتي تيران وصنافير
مصر بين مطرقة واشنطن وسندان الخليج: صراع إقليمي على النفوذ في البحر الأحمر
-
1 مايو 2025, 3:10:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كشفت رسائل مسرّبة من مجموعة مغلقة على تطبيق "سيجنال" تُدعى "Houthi PC small group" – والتي ضمّت مسؤولين في الإدارة الأمريكية – عن نقاشات دارت منتصف مارس الماضي بشأن شنّ هجوم وشيك على مواقع الحوثيين في اليمن.
غير أن ما لفت الأنظار في تلك الرسائل هو تلميحات واضحة لملامح توجه أمريكي جديد تجاه مصر، حيث قال أحد المسؤولين: "سنجعل ما نتوقعه في المقابل واضحًا قريبًا لمصر وأوروبا". وعلى الرغم من أن الرسائل لم توضّح بدقة ما الذي تنتظره الولايات المتحدة من مصر مقابل السعي إلى استعادة الأمن في قناة السويس – وهو هدف لم يتحقق حتى الآن رغم النبرة المتفائلة للمسؤولين الأمريكيين – فإنها ألمحت إلى أن واشنطن تعتبر هذا الاستقرار فائدة مباشرة للقاهرة والعواصم الأوروبية، التي تكبّدت خسائر اقتصادية ضخمة نتيجة الهجمات الحوثية المتواصلة على الملاحة في البحر الأحمر.
خسائر مصر وأوروبا نتيجة استهداف البحر الأحمر
أدت هجمات الحوثيين المستمرة، والتي جاءت كرد على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى تغيّر جذري في طرق الشحن الدولية. فقد اضطرت كبرى شركات الشحن إلى التخلي عن المرور عبر البحر الأحمر، الذي تمر عبره حوالي 12% من التجارة البحرية العالمية، واللجوء إلى طريق أطول يدور حول الطرف الجنوبي من قارة إفريقيا. هذا التحول تسبب في خسائر مباشرة لمصر، إذ انخفضت إيرادات قناة السويس بما يقدَّر بـ800 مليون دولار، بحسب ما أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس.
ضغوط أمريكية لإعادة تشكيل أمن البحر الأحمر
وفقًا لتصريحات أدلى بها مسؤولون أوروبيون ومصريون وإقليميون لموقع "مدى مصر"، فإن الولايات المتحدة تسعى، بالتعاون مع حلفائها الإقليميين، لإعادة تشكيل المنظومة الأمنية في البحر الأحمر بطريقة تضمن لها قيادة مراقبة هذا الممر البحري الحيوي. لكن القاهرة – حسب نفس المصادر – ما زالت تقاوم ضغوطًا متزايدة للاستجابة لتلك الرؤية الأمريكية، التي ترى فيها خطرًا على مكانتها الإقليمية.
الحملة الأمريكية ضد الحوثيين: كلفة مرتفعة ونتائج محدودة
منذ نوفمبر 2023، صعّد الحوثيون من هجماتهم، مستهدفين أكثر من 100 سفينة في البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام صواريخ، طائرات مسيّرة، وزوارق، ما أدى إلى غرق سفينتين، والاستيلاء على ثالثة، ومقتل أربعة من أفراد الطواقم. وردًا على ذلك، أطلقت إدارة ترامب، في 15 مارس، عملية عسكرية واسعة ضد الحوثيين أطلق عليها اسم "راف رايدر"، شملت في يومها الأول أكثر من 40 غارة جوية على صنعاء وصعدة. وبعد مرور 15 يومًا فقط، فاق عدد الضربات الجوية الأمريكية أي شهر سابق منذ بدء تدخلها العسكري في اليمن. ووفقًا للحوثيين، أدت الغارات إلى مقتل ما لا يقل عن 31 شخصًا، بينما أكّد مستشار الأمن القومي الأمريكي نجاح العملية في قتل عدد من قادة الجماعة.
العملية العسكرية: تكلفة باهظة ومعارضة داخلية
تشير بيانات "Yemen Data Project" إلى أن الضربات الأمريكية قتلت ما لا يقل عن 500 شخص حتى 22 أبريل. في المقابل، تكبّدت واشنطن تكلفة مالية باهظة لتنفيذ تلك الضربات، إذ بلغت كلفة العملية نحو مليار دولار بحلول بداية أبريل، بحسب شبكة CNN، في وقت يبقى فيه تأثيرها محدودًا على قدرات الحوثيين. وتتزايد التكهنات بأن البنتاغون قد يطلب تمويلاً إضافيًا من الكونغرس، إلا أن تصاعد الانتقادات داخل أروقة البرلمان الأمريكي يهدد بإفشال هذا التوجه.

الخط الزمني لضربات الولايات المتحدة شهريًا.. المصدر: Yemen Data Project
مطالب أمريكية متزايدة من مصر
في هذا السياق، أشار دبلوماسي أوروبي إلى أن الرئيس ترامب يطالب بانخراط عسكري ومالي أكبر من مصر في المعركة ضد الحوثيين. ووفقًا له، فإن الدعم اللوجستي المصري الحالي لا يلبي طموحات واشنطن. إلا أن القاهرة رفضت المشاركة عسكريًا، مبررة ذلك بعدم توفر موارد مالية كافية. وأكد مصدران مصريان أن الولايات المتحدة طالبت بمساهمة مالية وعسكرية مصرية، لكن مصر رفضت في مارس الماضي، ما دفع الخارجية الأمريكية إلى إبلاغ سفارتها في القاهرة بأنها ستعيد تقييم ما يمكن أن تطلبه من مصر مستقبلًا.
طلب مرور السفن الأمريكية مجانًا: ضغوط مباشرة على القاهرة
أحد أبرز مظاهر هذا الضغط تمثّل في تصريح لترامب قال فيه إن على مصر السماح بمرور السفن الأمريكية عبر قناة السويس مجانًا، وهو ما اعتبره مصدر مصري نتيجة مباشرة لرفض القاهرة تمويل العمليات العسكرية. وأوضح أن الاستجابة لمثل هذا الطلب قد تفتح الباب أمام مطالب مماثلة من دول أخرى، ما سيقوّض مصدرًا حيويًا للدخل القومي المصري.
موقف مصري متردد وتحفظات متعددة
رغم عدم وجود موقف رسمي معلن، فإن مصر لم ترفض الطلب صراحة، بل شكّلت لجنة لدراسة كيفية الرد عليه، بحسب مصدر في مركز أبحاث حكومي. وتشير مصادر مطلعة إلى ضغوط خليجية أيضًا – خاصة من السعودية والإمارات – لحث القاهرة على المشاركة. لكن مصر تدرك، حسب مسؤول حكومي، أن هذه المطالب تهدف أساسًا لحماية مصالح الحلفاء وليس لاستعادة الملاحة فحسب، ولهذا عرضت المساعدة الاستشارية فقط.
استحضار تجربة اليمن في الستينيات: تحذير من تكرار الأخطاء
يستحضر المسؤولون المصريون تجربة الستينيات، حينما تورطت مصر في حرب اليمن وخسرت الكثير، معتبرين أن تكرار ذلك خط أحمر. ويرون أن الحوثيين قوة يصعب هزيمتها بالنظر إلى جغرافيتهم، ونفوذهم، ودعم إيران والصين لهم. ويشدد أحد المسؤولين على أن الولايات المتحدة بدأت هذه المعركة خدمةً لإسرائيل، وكان الأجدى بها وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وسوريا ولبنان، بدلاً من مطالبة الحلفاء بتحمل التبعات.
قواعد أمريكية جديدة: تيران وصنافير في قلب التفاوض
بينما ترفض مصر المشاركة العسكرية المباشرة، فإنها تواجه ضغوطًا أخرى من نوع مختلف. تشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان لإنشاء قاعدة عسكرية دائمة شمال معسكر "ليمونييه" في جيبوتي، ضمن مساعٍ لفرض نفوذ دائم في البحر الأحمر. وكشف مسؤولون مصريون أن السعودية عرضت استضافة قاعدة أمريكية على جزيرتي تيران وصنافير، وهو عرض يثير مخاوف أمنية واقتصادية في القاهرة.
الخلافات حول السيادة على الجزيرتين: عقبة مستمرة
رغم أن مصر وافقت في 2016 على نقل السيادة على الجزيرتين للسعودية، فإن تنفيذ الاتفاق تعثّر بسبب خلافات داخلية مصرية، وتباين في المواقف مع الرياض وتل أبيب بشأن الترتيبات الأمنية والكاميرات التي ترغب السعودية في تركيبها، والتي يعتبرها الأمن القومي المصري تجاوزًا غير مقبول. وتسببت هذه التعقيدات في فتور الدعم السعودي لمصر.
القاعدة الأمريكية: مخاوف اقتصادية وأمنية
وفقًا لمسؤولين مصريين، فإن وجود قاعدة أمريكية على تيران وصنافير يثير ثلاث مخاوف رئيسية لدى القاهرة: أولاً، تأثيرها السلبي المحتمل على الاستثمارات الصينية والروسية في منطقة قناة السويس. ثانيًا، إمكانية تقويض الترتيبات الأمنية المصرية في سيناء. ثالثًا، تعزيز التعاون الأمني بين السعودية وإسرائيل، ما قد يضعف الدور الإقليمي المصري ويهز علاقاته مع القوى الغربية.
خيارات مصر المحدودة وتوقعات بتحركات أمريكية قريبة
في ظل هذه المعطيات، لا تستبعد مصادر حكومية مصرية أن تدرس القاهرة المقترح السعودي، ربما على أمل الحصول على تنازلات مقابلة مثل تعزيز الوجود الأمني المصري في سيناء. ويتوقع المسؤولون أن يكون موضوع تيران وصنافير حاضرًا خلال زيارة ترامب إلى السعودية منتصف مايو. كما بحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال زيارته الأخيرة للمملكة، تفعيل "منتدى البحر الأحمر" وسلسلة اتفاقيات أمنية قد تُوقَّع أثناء الزيارة، تشمل ضمانات أمريكية لحماية السعودية من أي هجمات مستقبلية.
مدى مصر










