من خلال مناورات جوية مشتركة

"نسور الحضارة": هل تمهد مصر الطريق أمام مقاتلات J-20 الصينية؟

profile
  • clock 25 أبريل 2025, 11:10:57 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
المقاتلة J-20 الصينية

حين هبط أسطول من طائرات النقل العسكرية الصينية من طراز Y-20 في مصر مطلع هذا الأسبوع، لم يُثر الحدث الكثير من الاهتمام في العناوين العالمية. إلا أن جملة واحدة وردت في صحيفة غلوبال تايمز الصينية الرسمية، أشارت إلى أن مصر ستحظى بفرصة "لمراقبة قدرات الطائرات العسكرية الصينية عن كثب"، كانت كفيلة بإشعال موجة من التكهنات في أوساط المحللين العسكريين.

فما الذي ستجنيه القاهرة من هذه المناورة الجوية غير المسبوقة مع بكين، والتي حملت اسم "نسور الحضارة 2025"؟ ولماذا تقترب حليفة الولايات المتحدة الرئيسية في الشرق الأوسط من الجيش الصيني؟ وماذا يعني ذلك لتوازن القوى الهش في منطقة باتت الطائرات المقاتلة المتقدمة تشكّل جزءًا أساسيًا من حساباتها الاستراتيجية؟

هذه الأسئلة، التي تدور حول حدث يلفّه الغموض، تعكس تحوّلاً أوسع في الديناميكيات العسكرية العالمية، قد يُعيد تشكيل التحالفات ويقوّض الهيمنة الغربية في سوق السلاح العالمي.

"نسور الحضارة 2025": أول مناورة جوية بين مصر والصين

في 16 أبريل، أعلنت وزارة الدفاع الصينية عن إجراء أول تدريب جوي مشترك بين سلاح الجو التابع لجيش التحرير الشعبي الصيني وسلاح الجو المصري، تحت اسم "نسور الحضارة 2025". ويُجرى التدريب من منتصف أبريل وحتى أوائل مايو، بمشاركة وحدة جوية صينية تنفذ عمليات على الأراضي المصرية.

 

لم تُعلن أي من الدولتين عن تفاصيل دقيقة بشأن الطائرات المشاركة أو نطاق التدريبات. إلا أن غلوبال تايمز أوضحت أن الهدف هو تعزيز "التعاون العملي" و"الثقة والصداقة المتبادلة" بين الجيشين.

ورأى المعلق العسكري الصيني وانغ يونفي أن هذه المناورة قد "تمهد الطريق للتعاون في مجال المعدات مستقبلاً"، وهو ما أثار التكهنات بشأن اهتمام مصر بالمقاتلات الصينية، وخصوصًا المقاتلة الشبحية J-20.

حتى الآن، لا يوجد تأكيد رسمي على مشاركة الـJ-20 في المناورة، ما دفع المحللين إلى تفكيك دلالة "فرصة المراقبة" الغامضة التي أشارت إليها الصحيفة الصينية.

علاقات مصر الدفاعية مع واشنطن: تحالف قديم وتحديات متصاعدة

شكّلت العلاقات العسكرية المصرية-الأمريكية حجر الزاوية في استراتيجية القاهرة الدفاعية منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، حيث حصلت مصر على مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك مقاتلات F-16 ودبابات أبرامز ومروحيات أباتشي، بهدف الحفاظ على الاستقرار وحماية قناة السويس.

ولا تزال الولايات المتحدة المزوّد الرئيسي للسلاح المصري، إذ يشكّل أسطول الـF-16 البالغ أكثر من 200 طائرة العمود الفقري للقوة الجوية المصرية. غير أن هذه العلاقة شهدت توترات متزايدة، خصوصًا بسبب القيود الأمريكية على بيع بعض الأسلحة المتقدمة مثل صواريخ AIM-120 بعيدة المدى، بحجة الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.

هذا الواقع دفع مصر إلى تنويع مصادر تسليحها، عبر التوجه إلى روسيا وفرنسا، والآن الصين.

الصين كخيار بديل: من الميج الروسية إلى الطائرات الشبح الصينية

في عام 2015، طلبت مصر مقاتلات MiG-29M2 من روسيا وطائرات رافال من فرنسا، في إشارة إلى رغبتها بالخروج من العباءة الأمريكية. لكن صفقة كبرى بقيمة 2 مليار دولار لشراء مقاتلات Su-35 من روسيا انهارت في 2018 تحت وطأة التهديدات الأمريكية بالعقوبات، ما زاد من التوترات بين القاهرة وواشنطن.

في هذا السياق، بدت الصين خيارًا مغريًا؛ فهي تقدم أسلحة متقدمة بسعر أقل وبدون الشروط السياسية الغربية المعتادة.

وصول طائرات Y-20 الصينية إلى مصر، وفق بيانات مفتوحة المصدر، يُجسد هذا التقارب. تُعد طائرات Y-20، المعروفة باسم "كونبنغ"، وسائط نقل استراتيجي قادرة على حمل 66 طنًا من المعدات لمسافة تزيد عن 4800 ميل، وهي تقارن بطائرة C-17 الأمريكية رغم أن حمولتها أقل. مزودة بمحركات WS-20، وأنظمة إلكترونية متقدمة، وبعض مكوناتها مصنوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، تعكس Y-20 مساعي الصين نحو الاعتماد الذاتي في تكنولوجيا السلاح.

 

ورغم أن دورها في مصر قد يكون لوجستيًا بحتًا، إلا أن الشكوك تتزايد حول ما إذا كانت تنقل معدات متقدمة كالمقاتلات أو الطائرات المسيّرة.

المقاتلة J-20: التنين الخفي الذي يشغل العقول

أثارت إشارة غلوبال تايمز حول مراقبة مصر لقدرات الطيران الصيني تكهنات بأن الهدف هو التعرف على الـJ-20، مقاتلة الصين الشبحية من الجيل الخامس. تُعرف رسميًا باسم "التنين الجبار"، وهي مصممة لمنافسة F-22 وF-35 الأمريكيتين.بدأت أولى رحلاتها عام 2011 ودخلت الخدمة في 2017، وتتميّز بتصميم "دلتا-كنارد"، ومواد ماصّة للرادار، ورادار من نوع AESA، ومجموعة مستشعرات متطورة، بينها نظام للبحث والتعقب بالأشعة تحت الحمراء.

رغم بعض الانتقادات التي تشكك بقدراتها الشبحية الكاملة، تمثل الـJ-20 قفزة نوعية لصناعة الطيران الصينية. وسعرها التقديري يبلغ 110 مليون دولار للطائرة الواحدة، وهو ما قد يشكّل عائقًا أمام اقتنائها من قِبل مصر ذات الميزانية الدفاعية المحدودة.

لكن وجود هذه الطائرة - ولو لم يتم تأكيده - في مناورة على أرض مصر، يظل إشارة لافتة في ظل تقارير عن اهتمام القاهرة بمقاتلات متقدمة لموازنة التفوق الجوي المغربي، الذي يُقال إنه يسعى للحصول على الـF-35.

 

الأرجح: اهتمام مصري بمقاتلة J-10C وليس J-20

ورغم الضجة حول J-20، يبدو منطقياً أن القاهرة تدرس شراء مقاتلة J-10C الصينية، وهي طائرة متعددة المهام، مزوّدة برادار AESA ويمكن تسليحها بصواريخ PL-15، وتقدَّر تكلفتها بين 40-50 مليون دولار فقط.

كانت J-10C قد ظهرت في معرض مصر الدولي للطيران عام 2024، حيث نفّذت عروضًا بجانب طائرات Y-20 فوق أهرامات الجيزة، ما يعكس اهتمامًا مصريًا واضحًا.

مناورة تتجاوز الطائرات: استراتيجية صينية لاختراق الأسواق الجديدة

تمثل "نسور الحضارة 2025" جزءًا من استراتيجية صينية أوسع، تستخدم المناورات العسكرية للترويج لتقنياتها وجذب شركاء جدد في سوق السلاح. الصين، التي توسعت في صادراتها العسكرية، وجدت فرصًا في مناطق تضع فيها القيود الغربية قيودًا أو تطالب بأسعار مرتفعة.

فباكستان تعتمد على طائرة JF-17 المشتركة مع الصين، في حين اشترت الجزائر ونيجيريا طائرات مسيّرة وسفن حربية صينية. وفي الشرق الأوسط، وقّعت السعودية صفقة أسلحة بـ4 مليارات دولار مع الصين عام 2022.

وتعد مصر شريكًا محوريًا في هذا المسار، نظرًا لموقعها الاستراتيجي وسيطرتها على قناة السويس، التي تمر عبرها 12% من تجارة العالم، وتتقاطع مع مشروع "الحزام والطريق" الصيني.

 

توازن بين الشرق والغرب: سياسة مصرية ثابتة في عالم متغير

لا يعني تقارب مصر مع الصين القطيعة مع واشنطن، بل يعكس سياسة توازن قديمة. القوات الجوية المصرية، التي تضم مزيجًا من F-16 ورافال وMiG-29، تُجسّد هذه الاستراتيجية.

وقد سبق أن حصلت مصر على الطائرة المسيّرة الصينية Wing Loong-1D، وهي تشبه MQ-9 الأمريكية ولكن بسعر أقل.

المناورة مع الصين، إلى جانب الاستعراض الجوي في 2024، تؤكد هذه الشراكة الناشئة، وتمنح القاهرة فرصة تقييم القدرات القتالية والتكتيكية الصينية في ظروف صحراوية مشابهة لمسرح عملياتها.

المكاسب المتوقعة للطرفين: اختبار واقعي وترويج سياسي

تتيح هذه التدريبات لمصر التعرف على نظم القيادة والسيطرة الصينية، وتكتيكات الانتشار السريع، في حين تستفيد الصين من اختبار قواتها خارج المحيط الهادئ.

ورغم أن المعلومات الفنية تبقى طيّ الكتمان، فإن مجرد العرض المحدود يُظهر استعداد الصين للانفتاح.

المشاركة الصينية في تدريبات في روسيا وموزمبيق وغيرها، تعكس طموحاتها لمنافسة الولايات المتحدة وروسيا في قدرات النقل والقتال الجوي.

 

مناورات تحمل رسائل استراتيجية: الصين في قلب الشرق الأوسط

مع تزايد المخاوف الأمريكية من توسع النفوذ الصيني، تكتسب هذه المناورة أهمية خاصة. فهي تأتي وسط توترات تجارية بين واشنطن وبكين، وأزمات مثل حظر تصدير المعادن الأرضية النادرة، الضرورية لصناعات الطيران.

بالنسبة لمصر، المناورة استمرار لسياسة التوازن التي اتبعتها خلال الحرب الباردة، حين انتقلت من الحليف السوفيتي إلى الأمريكي.

اليوم، الصين تقدم خيارًا ثالثًا في مشهد عالمي متعدد الأقطاب.

مناورة عسكرية برمزية جيوسياسية عميقة

ليست "نسور الحضارة 2025" مجرد تمرين عسكري، بل هي إعلان صيني بدخول ساحة كانت تهيمن عليها واشنطن وموسكو.

بالنسبة لمصر، هي فرصة لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية، واستعراض تنوّع مصادر التسليح. وبالنسبة للصين، هي خطوة مدروسة لبناء موطئ قدم عسكري في منطقة استراتيجية.

تزامن التمرين مع تحركات مغربية نحو الـF-35، وتوترات التجارة الصينية الأمريكية، يضفي عليه مزيدًا من الأهمية.

ربما لا تحلّق الـJ-20 في سماء القاهرة الآن، لكن الأكيد أن الطائرات الغربية لم تعد وحدها في الأجواء المصرية. الصين هنا، ومعها قواعد جديدة للعبة لم تعد تلتزم بقواعد الأمس.
 

التعليقات (0)