التجريف: أداة استيطانية لسرقة الأرض

مستوطنون يجرفون أراضي الفلسطينيين في مسافر يطا بالخليل

profile
  • clock 24 أغسطس 2025, 2:58:26 م
  • eye 415
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

محمد خميس

في جريمة استيطانية جديدة تضاف إلى سلسلة الاعتداءات المتكررة بحق الفلسطينيين، أفادت مصادر محلية لقناة الجزيرة بأن مجموعات من المستوطنين قامت اليوم بعمليات تجريف واسعة لأراضي المواطنين الفلسطينيين في منطقة الحمرا بمسافر يطا جنوب الخليل، ضمن مخطط يهدف إلى السيطرة على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى بؤر استيطانية.

تأتي هذه الاعتداءات في إطار سياسة الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وتفريغ المنطقة لصالح مشاريع استيطانية غير شرعية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تعتبر المستوطنات غير قانونية وتشكل عقبة أمام السلام.

مسافر يطا: معاناة طويلة تحت الاحتلال

تُعد منطقة مسافر يطا من أكثر المناطق استهدافًا في الضفة الغربية. فهي تضم عشرات التجمعات السكانية الفلسطينية التي يعيش أهلها حياة بسيطة تعتمد على الرعي والزراعة. ومع ذلك، تتعرض هذه القرى بشكل دائم لاعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال، بدءًا من هدم المنازل، مرورًا بمنع الوصول إلى مصادر المياه، وصولاً إلى عمليات التهجير القسري.

وقد أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في مايو 2022 قرارًا خطيرًا يسمح بترحيل أكثر من 1200 فلسطيني من سكان مسافر يطا، بحجة أنها منطقة "تدريب عسكري"، وهو ما اعتبره الفلسطينيون والمجتمع الدولي محاولة جديدة لشرعنة التطهير العرقي.

التجريف: أداة استيطانية لسرقة الأرض

عملية تجريف الأراضي التي جرت اليوم ليست حادثًا منفردًا، بل تمثل جزءًا من مخطط استيطاني متكامل. فالمستوطنون يستخدمون هذه السياسة للاستيلاء على أراضي المزارعين الفلسطينيين وتحويلها لاحقًا إلى مزارع استيطانية أو طرق تخدم المستوطنات.

وبحسب منظمات حقوقية فلسطينية ودولية، فإن الاحتلال والمستوطنين يعملون بتناغم في هذه العمليات: حيث يتولى الجيش توفير الحماية للمستوطنين أثناء اعتداءاتهم، ويمنع الفلسطينيين من الدفاع عن أراضيهم، مما يكرس واقع السيطرة الاستيطانية بالقوة.

الخليل: قلب الاستيطان في الضفة الغربية

تُعتبر مدينة الخليل من أكثر مدن الضفة الغربية تضررًا من الاستيطان. فهي تضم عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية، إضافة إلى وجود الحرم الإبراهيمي الذي يشهد اعتداءات مستمرة بحق المصلين الفلسطينيين.

وتُظهر التقارير أن المستوطنين في الخليل يتبعون استراتيجية تقوم على التوسع الزاحف: حيث يبدأ الأمر بمصادرة قطعة صغيرة من الأرض أو منزل، ثم يتوسع تدريجيًا حتى يتم تهجير التجمعات الفلسطينية بالكامل. وما جرى في مسافر يطا اليوم يدخل ضمن هذا النهج المنهجي لسرقة الأرض.

التهجير القسري: جريمة حرب موثقة

ما يحدث في مسافر يطا ليس مجرد اعتداء عابر، بل هو جزء من جريمة التهجير القسري التي يحظرها القانون الدولي الإنساني. فوفقًا لاتفاقيات جنيف، يُعتبر نقل أو طرد السكان الأصليين من أراضيهم بالقوة جريمة حرب.

وقد أكدت منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أن سياسات الاحتلال في مسافر يطا ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، لأنها تهدف بشكل ممنهج إلى إفراغ المنطقة من سكانها لصالح مشاريع استيطانية.

ردود الفعل الفلسطينية

نددت اللجان الشعبية في الخليل وفعاليات مسافر يطا بعملية التجريف الأخيرة، معتبرة أنها استمرار لسياسة الاحتلال في اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم. وأكدت أن المواطنين سيواصلون التشبث بأرضهم، وأن محاولات التهجير لن تنجح، كما فشلت سابقًا.

ودعت الفصائل الفلسطينية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته ووقف سياسة الكيل بمكيالين، حيث يتم التعامل مع الاستيطان الإسرائيلي بتساهل، رغم أنه يمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي.

الموقف الدولي: بيانات دون أفعال

رغم إدانات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي المتكررة للاستيطان، إلا أن الواقع الميداني يظهر أن الاحتلال لا يلتفت لهذه المواقف. فالبيانات الدولية غالبًا ما تفتقر إلى آليات التنفيذ أو العقوبات، مما يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة سياساتها.

ويؤكد محللون أن غياب المحاسبة الدولية شجع المستوطنين على التمادي في اعتداءاتهم، حيث يشعرون بأنهم فوق القانون. ولهذا السبب، يطالب الفلسطينيون بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على إسرائيل، على غرار ما فُرض على دول أخرى انتهكت القانون الدولي.

الأرض عنوان الصراع

يبقى جوهر الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي متمثلًا في الأرض. فما يجري في مسافر يطا اليوم يختصر القضية الفلسطينية برمتها: احتلال يسعى إلى سرقة الأرض، وشعب متمسك بجذوره وحقه التاريخي في أرضه.

فالفلسطينيون في الخليل، كما في غزة ونابلس والقدس، يواجهون معركة يومية من أجل البقاء. ورغم ضعف الإمكانيات، إلا أن إرادتهم وصمودهم يشكلان السلاح الأقوى في مواجهة المخططات الاستيطانية.

مسافر يطا رمز الصمود الفلسطيني

إن عملية تجريف أراضي الفلسطينيين في مسافر يطا بالخليل تمثل جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الحافل بالانتهاكات. لكنها في الوقت ذاته تكشف عن حقيقة الصمود الفلسطيني الذي لم ولن ينكسر.

فبرغم محاولات التهجير، يتمسك الفلسطينيون بأرضهم، مدركين أن البقاء هو أبلغ أشكال المقاومة. ومع استمرار هذه الاعتداءات، يزداد الوعي الدولي بمدى خطورة الاستيطان، ما قد يشكل في المستقبل ضغطًا حقيقيًا على الاحتلال لوقف جرائمه.

التعليقات (0)