-
℃ 11 تركيا
-
23 سبتمبر 2025
"لحظة جنوب أفريقيا": كيف يشبه الضغط الدولي على إسرائيل ما ساعد على إنهاء الفصل العنصري؟
"لحظة جنوب أفريقيا": كيف يشبه الضغط الدولي على إسرائيل ما ساعد على إنهاء الفصل العنصري؟
-
23 سبتمبر 2025, 1:55:09 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مع استمرار الحرب على غزة، يبدو أن عزلة إسرائيل الدولية تتعمق أكثر فأكثر.
ويثور السؤال: هل يقترب العالم من "لحظة جنوب أفريقيا"، حين ساهم مزيج من الضغوط السياسية والمقاطعات الاقتصادية والرياضية والثقافية في إرغام بريتوريا على التخلي عن نظام الفصل العنصري؟ أم أن حكومة اليمين المتطرف بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستنجح في الصمود أمام العاصفة الدبلوماسية، وتبقى قادرة على متابعة أهدافها في غزة والضفة الغربية المحتلة من دون أن تتعرض صورتها الدولية لضرر دائم؟
حتى داخل إسرائيل، حمّل رئيسا الوزراء السابقان إيهود باراك وإيهود أولمرت نتنياهو المسؤولية عن تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة. وزاد الضغط الشخصي على نتنياهو نفسه بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه، ما ضيّق كثيراً من دائرة الدول التي يمكنه زيارتها من دون التعرض لخطر الاعتقال.
اعتراف متزايد بفلسطين
في الأمم المتحدة، أعلنت عدة دول – من بينها بريطانيا وفرنسا وأستراليا وبلجيكا وكندا – أنها تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين الأسبوع المقبل. أما دول الخليج، فقد اجتمعت في الدوحة غاضبة بعد اغتيال قادة من حركة حماس في قطر يوم 9 سبتمبر، وبحثت الرد بشكل موحد، في وقت دعا فيه البعض الدول التي تربطها علاقات بإسرائيل إلى إعادة النظر في مواقفها.
وتزامناً مع مشاهد المجاعة في غزة خلال الصيف، ومع تقدم الجيش الإسرائيلي في مدينة غزة واحتمال تدميرها بالكامل، بدأت حكومات أوروبية تُترجم استياءها إلى خطوات عملية تتجاوز البيانات الكلامية. ففي مطلع الشهر، أعلنت بلجيكا سلسلة من العقوبات شملت حظر استيراد منتجات المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، ومراجعة عقود الشراء مع الشركات الإسرائيلية، وفرض قيود على المساعدة القنصلية للمستوطنين البلجيكيين هناك. كما اعتبرت شخصيات إسرائيلية متطرفة – مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش – "أشخاصاً غير مرغوب فيهم"، إضافة إلى مستوطنين متورطين في العنف ضد الفلسطينيين. إجراءات مشابهة كانت بريطانيا وفرنسا قد سبقت إليها، بينما العقوبات المحدودة التي فرضتها إدارة بايدن على مستوطنين عنيفين ألغيت فور تولي دونالد ترامب الرئاسة.
إسبانيا تتحرك بقوة
بعد أسبوع فقط من قرار بلجيكا، اتخذت إسبانيا خطوات أكثر صرامة: فقد حولت حظر السلاح المفروض على إسرائيل إلى قانون نافذ، وفرضت حظراً جزئياً على الواردات، ومنعت دخول أي شخص متورط في جرائم إبادة أو جرائم حرب في غزة إلى أراضيها، كما حظرت على السفن والطائرات المتجهة إلى إسرائيل وهي تحمل أسلحة الرسو في موانئها أو المرور عبر أجوائها.
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر وصف سياسات مدريد بأنها "معادية للسامية"، وهدد بأن إسبانيا ستتضرر أكثر من إسرائيل نتيجة حظر تجارة الأسلحة. غير أن المؤشرات المقلقة بالنسبة لإسرائيل لم تتوقف عند هذا الحد: ففي أغسطس أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي – الأكبر في العالم بقيمة تريليوني دولار – البدء في سحب استثماراته من شركات إسرائيلية، وشمل القرار حتى منتصف الشهر 23 شركة. وفي بروكسل، اقترح الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين متطرفين ووافق على تعليق جزئي لاتفاقية الشراكة التجارية مع تل أبيب.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قالت في خطابها أمام البرلمان إن أحداث غزة "هزّت ضمير العالم". وبعد يوم واحد، بعث 314 دبلوماسياً أوروبياً سابقاً برسالة إلى فون دير لاين ومسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس طالبوا فيها بمزيد من الإجراءات الصارمة، بما في ذلك التعليق الكامل لاتفاقية الشراكة. وبالفعل، أعلنت المفوضية الأوروبية يوم 17 سبتمبر اقتراحاً بتعليق بعض بنود الاتفاق التجاري مع إسرائيل بسبب "انتهاكها الواضح لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية"، مشيرة إلى تدهور الوضع الإنساني في غزة، ومنع دخول المساعدات، وتصعيد العمليات العسكرية، والمضي قدماً في خطة الاستيطان في منطقة E1 بالضفة، وهي كلها خطوات تقوّض حل الدولتين.
مقاطعة ثقافية متنامية
كما حدث في جنوب أفريقيا، أخذت المقاطعات الثقافية والرياضية تكتسب زخماً. فمسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" – التي تعتبرها إسرائيل رمزاً لقبولها في "العائلة الدولية" – باتت مهددة، بعدما أعلنت دول مثل إسبانيا وإيرلندا وهولندا وسلوفينيا أنها ستنسحب عام 2026 إذا سُمح لإسرائيل بالمشاركة. القرار النهائي متوقع في ديسمبر.
وفي هوليوود، وقّع أكثر من 4 آلاف فنان – بينهم أسماء شهيرة مثل خافيير بارديم وإيما ستون – على عريضة تدعو إلى مقاطعة الشركات والمهرجانات والقنوات الإسرائيلية المتورطة في "الإبادة الجماعية والفصل العنصري ضد الفلسطينيين". مدير اتحاد منتجي السينما والتلفزيون في إسرائيل، تسفيكا غوتليب، وصف المبادرة بأنها "مضللة"، معتبراً أنها تحاول إسكات أصوات إبداعية متنوعة.
ضغط رياضي متصاعد
المجال الرياضي لم يكن بعيداً عن دائرة الضغوط. ففي إسبانيا، تعرّضت "طواف إسبانيا" للدراجات لمقاطعات متكررة احتجاجاً على مشاركة فريق "إسرائيل بريميير تك"، ما أدى إلى نهاية فوضوية للمسابقة وإلغاء مرحلتها الأخيرة. رئيس الوزراء بيدرو سانشيز وصف ذلك بأنه "مصدر فخر"، بينما اعتبر معارضوه أنه سبب "فضيحة دولية".
وفي بطولة للشطرنج أقيمت في إسبانيا أيضاً، انسحب سبعة لاعبين إسرائيليين بعد أن قيل لهم إنهم لن يتمكنوا من اللعب تحت علمهم الوطني.
أما رد إسرائيل على ما وصفته وسائل الإعلام بـ"تسونامي دبلوماسي"، فجاء متحدياً. فقد اتهم نتنياهو إسبانيا بتهديد "إبادي سافر" بعدما قال سانشيز إن بلاده، لافتقارها إلى أسلحة نووية أو حاملات طائرات أو احتياطيات نفطية، لا تستطيع بمفردها وقف الهجوم على غزة. ومن جانبه، كتب جدعون ساعر على منصة X أن "من المؤسف أن البعض لا يستطيعون مقاومة هوسهم المعادي لإسرائيل حتى في الوقت الذي تخوض فيه معركة وجودية حيوية بالنسبة إلى أوروبا نفسها".
هل هو "لحظة جنوب أفريقيا"؟
بين الدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين تسود مشاعر قلق عميق. جيريمي إسخاروف، سفير إسرائيل في ألمانيا بين 2017 و2021، قال إنه لا يتذكر وضعاً وصلت فيه مكانة إسرائيل الدولية إلى هذا "التدهور"، معتبراً أن كثيراً من الإجراءات "مؤسفة" لأنها تُفهم على أنها موجهة ضد كل الإسرائيليين لا ضد سياسات الحكومة فقط. وحذّر من أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يأتي بنتائج عكسية، لأنه يقوّي حجج المتطرفين مثل سموتريتش وبن غفير. لكنه مع ذلك استبعد أن يكون العزل الدبلوماسي غير قابل للعكس، قائلاً: "لسنا في لحظة جنوب أفريقيا بعد، لكن ربما نعيش تمهيداً لها".
الدبلوماسي السابق إيلان باروخ – الذي استقال عام 2011 لأنه رفض الاستمرار في تبرير الاحتلال – ذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أن العقوبات ضرورية: "هكذا خضعت جنوب أفريقيا". وأضاف: "أي ضغط قوي على إسرائيل يجب أن يُرحّب به، حتى لو شمل تغييرات في نظام التأشيرات أو مقاطعات ثقافية. أنا مستعد لتحمّل المعاناة".
لكن آخرين أكثر تشككاً. دانيال ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق في عملية السلام، قال إن من يسلك طريق إسبانيا لا يزال استثناءً، مشيراً إلى أن دولاً مثل ألمانيا وإيطاليا والمجر ستعرقل أي مسعى أوروبي جماعي لتعليق الاتفاقات أو استبعاد إسرائيل من برامج مثل "هورايزون" للبحث والابتكار.
وإلى جانب ذلك، ما تزال إسرائيل تتمتع بدعم أمريكي راسخ. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو صرّح قبل مغادرته في زيارة رسمية أن علاقة واشنطن بتل أبيب "ستبقى متينة".
ورغم هذا الدعم، يرى ليفي أن العزلة الدولية لإسرائيل تسير في اتجاه لا عودة عنه، وإن كان استمرار مساندة إدارة ترامب لها يؤخر حدوث تحول حاسم في مسار الحرب على غزة. "نتنياهو ينفد منه الطريق"، يقول ليفي، "لكننا لم نصل بعد إلى نهايته".









