بعد جوجل وأمازون

كيف وظفت مايكروسوفت "GPT-4" لخدمة الاحتلال في إبادة غزة؟

profile
  • clock 20 مايو 2025, 9:00:49 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
وقفة أمام مقر "مايكروسوفت" احتجاجاً على بيعها خدمات Azure للجيش الإسرائيلي

متابعة: عمرو المصري

كشف تقرير صادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، عن الدور المتعاظم الذي تؤديه شركة مايكروسوفت الأمريكية في دعم منظومة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تزويدها بتقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، والتي جرى توظيفها بشكل مباشر في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة. ويوضح التقرير أن مايكروسوفت باتت شريكًا فعليًا في هذا العدوان، عبر أدوات متقدمة منحت الجيش الإسرائيلي قدرة غير مسبوقة على تتبع الفلسطينيين وتصفيتهم بآليات آلية فائقة السرعة.

التكنولوجيات الرقمية في خدمة الاستعمار الإسرائيلي

على مدى عقود من احتلالها للأراضي الفلسطينية، عملت إسرائيل على تطوير منظومة متكاملة لإدارة السكان، اعتمدت فيها على أدوات متعددة، كان أبرزها في السنوات الأخيرة التكنولوجيات الرقمية. فهذه الأدوات لم تَعُد مجرد وسائل مساعدة، بل تحوّلت إلى جزء محوري في استراتيجية الاستعمار والسيطرة. وتشمل هذه المنظومة تقنيات المراقبة السيبرانية، التعرف البيومتري (كالتعرف على الوجوه)، والذكاء الاصطناعي القائم على خوارزميات تحليل البيانات ومعالجة السلوكيات.

ويهدف هذا التكامل التقني إلى تعزيز الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على الفلسطينيين أمنيًا وعسكريًا واجتماعيًا، من خلال تحويل الأدوات التقنية إلى أدوات قمع وتحكّم، ما يجعل من المنظومة الاستعمارية نموذجًا للسيطرة المتقدمة والشاملة.

حرب غزة كمرحلة تصعيدية للذكاء الاصطناعي

منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، تصاعدت وتيرة استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة العدوان العسكري الإسرائيلي، وبات واضحًا أن الاحتلال يوظف هذه التقنيات ليس فقط لأغراض جمع البيانات، بل لتغذية منظومة "بنك الأهداف" التي تم تطويرها على مدار سنوات طويلة.

لكن اللافت، بحسب التقرير، أن عملية إدارة الأهداف وتحليل البيانات باتت تتم بمستوى آلي يفوق قدرة الإنسان، ما أدى إلى ما يمكن تسميته بـ"معمل الاغتيالات الجماعية"، حيث تُنفذ عمليات القتل الجماعي بشكل سريع ومنهجي، عبر خوارزميات مبرمجة تقوم بتصفية الفلسطينيين بناءً على معطيات ضخمة مستخلصة من أدوات المراقبة.

مايكروسوفت في قلب المجهود الحربي الإسرائيلي

يسلط التقرير الضوء على تورط شركة مايكروسوفت، التي تُعتبر من أبرز شركات التكنولوجيا العالمية، في دعم الجيش الإسرائيلي أثناء حربه على غزة. ويستند في ذلك إلى وثائق مسرّبة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية بداية العام 2025، ضمن تحقيق مشترك مع موقعي 972+ وسيحا ميكوميت، كشفت عن تعاملات تصل إلى ما لا يقل عن 10 ملايين دولار بين مايكروسوفت والمنظومة العسكرية الإسرائيلية.

وتشمل هذه التعاملات آلاف الساعات من الدعم الفني والتقني، واعتمادًا مكثفًا على منصة الحوسبة السحابية "Azure"، من قبل وحدات مثل سلاح الجو والبحرية وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وذلك في إدارة البريد الإلكتروني والملفات الأمنية والاستخباراتية. وقد ارتفع استهلاك الجيش الإسرائيلي لخدمات Azure بنسبة 60% خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، مقارنة بالفترة التي سبقتها.

كما يستخدم الجيش الإسرائيلي نظام "Rolling Stone" المدعوم من منصة Azure لإدارة سجلات الفلسطينيين وتتبع تحركاتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يعكس توظيفًا مباشرًا لخدمات مايكروسوفت في ترسيخ نظام الفصل العنصري والرقابة الشاملة.

GPT-4: أداة إسرائيل في الحرب على الفلسطينيين

الأخطر من ذلك، كما يكشف التقرير، هو منح مايكروسوفت الجيش الإسرائيلي حق الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي من شركة OpenAI، وتحديدًا نموذج GPT-4، وذلك لصالح وحدات استخباراتية مثل 8200 و9900، ضمن عمليات تحليل صوتي ونصي معقدة تستند إلى بيانات مستخلصة من الرقابة الجماعية.

وقد شهد استخدام هذه الأدوات ارتفاعًا غير مسبوق، إذ ازداد استهلاك أدوات الذكاء الاصطناعي بمقدار 64 ضعفًا بحلول آذار/مارس 2024، ما يشير إلى توسع العمليات العسكرية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في استهداف الفلسطينيين وتصفيتهم.

احتجاجات داخلية وموقف مراوغ من مايكروسوفت

رغم محاولات مايكروسوفت إظهار التزامها بما تسميه "الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا"، إلا أن احتجاجات داخلية ضربت الشركة مؤخرًا، أبرزها حملة "No Azure for Apartheid" التي بلغت ذروتها في نيسان/أبريل الماضي، عندما فصلت الشركة مهندستين بسبب احتجاجهما على تورطها في الحرب على غزة.

وبعد ضغوط متزايدة من موظفين ونشطاء داعمين للفلسطينيين، أقرّت الشركة، ولأول مرة، بتقديم خدمات تقنية للجيش الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر، لكنها زعمت أن هذه الخدمات "تجارية بحتة" وتخضع لسياسات الاستخدام المقبول ومدونة السلوك الأخلاقي الخاصة بالذكاء الاصطناعي، والتي تحظر الاستخدام الضار.

وفي بيان رسمي، قالت مايكروسوفت إنها استعانت بشركة خارجية مستقلة لإجراء تحقيق داخلي شمل مقابلات ومراجعة وثائق داخلية، وخلص إلى "عدم وجود أدلة" على استخدام تقنياتها لإلحاق الأذى بالمدنيين في غزة. لكنها اعترفت بأنها قدمت "دعماً طارئًا" للحكومة الإسرائيلية في إطار محاولاتها استعادة المختطفين من غزة، مع الادعاء بأن هذا الدعم خضع لمراجعة دقيقة، وأنها لا تعرف كيف تُستخدم تقنياتها فعليًا في الخوادم الخاصة أو المحلية.

من الدعم غير المباشر إلى الشراكة في الإبادة

يخلص تقرير "مدار" إلى أن ما تكشف حتى الآن من دور مايكروسوفت، يشير إلى ما هو أبعد من الدعم غير المباشر، ليصل إلى درجة من الشراكة الفعلية في جريمة الإبادة التي تُنفذ في غزة. فمن خلال تمكين الجيش الإسرائيلي من الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي والتحليل الضخم للبيانات، ساهمت الشركة في تحويل الحرب إلى عملية قتل ممنهجة تُدار بخوارزميات.

ويُحذر التقرير من أن مايكروسوفت ليست وحدها، بل هناك شركات تكنولوجية كبرى أخرى يُحتمل تورطها في هذا السياق. وتُعزز الشهادات التي يدلي بها موظفون من داخل هذه الشركات، إلى جانب تقارير المؤسسات الحقوقية والتحقيقات الصحفية، من احتمالات كشف المزيد من أوجه التواطؤ مع آلة الإبادة الإسرائيلية.

ويختم التقرير بالتأكيد على أن هذه الحقائق تُسقط عن هذه الشركات ادعاءاتها بأنها تُنتج "تكنولوجيا لخدمة البشرية"، لتتكشف حقيقتها كشركات تُسخّر الابتكار لخدمة الحروب، وتعزيز الأرباح، والتحالف مع الأنظمة الاستعمارية الحديثة.

التعليقات (0)