الدعاء فعل مقاومة في زمن العجز

في يوم عرفة.. غزة بين دعاء الرحمة ودخان القصف

profile
  • clock 5 يونيو 2025, 1:05:51 م
  • eye 455
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

 محمد خميس

يوم عرفة: بين عرفات وغزة

بينما كان نحو مليوني حاج يقفون على صعيد عرفات في التاسع من ذي الحجة، بقلوب خاشعة وأيدي مرفوعة نحو السماء، كان لأهل غزة مشهد آخر تمامًا. لم يقفوا على جبل الرحمة، بل على جبال من الركام والدمار. كانت أيديهم مرفوعة، لا طلبًا لمغفرة فقط، بل نجاة من حربٍ لا ترحم.

في غزة، تسلّلت همسات الدعاء من تحت الأنقاض، ومن خيامٍ مؤقتة نُصبت فوق بقايا المنازل. ارتفعت الأصوات وسط أزيز الطائرات، وتمازجت الأدعية مع أعمدة الدخان، لترسم لوحة من الصبر والتحدي في وجه المحنة.

غزة ويوم عرفة.. دعاء النجاة بدل الغفران

في حين يُعتبر يوم عرفة من أعظم أيام العام في التقويم الإسلامي، فقد اتخذ في غزة معنىً وجوديًا أعمق. تحوّل اليوم من مناسبة للخشوع والابتهال، إلى نداء استغاثة وصلاة من أجل البقاء.

قالت أم نضال، إحدى الناجيات من قصفٍ استهدف منزلها في مخيم النصيرات: "في كل قصف نقول: يا الله. واليوم نقولها ألف مرة".
هكذا لخّصت مشاعر مئات الآلاف من الغزيين الذين يصومون هذا اليوم بلا ماء، يكبّرون في مساجد مهدّمة، وقلوبهم مشدودة نحو السماء رغم الخوف والدمار.

الدعاء فعل مقاومة في زمن العجز

في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم الإسلامي نحو مكة، كان لأهالي غزة دعاءٌ من نوع آخر. لم يكن الطقس الروحي رفاهية، بل مقاومة. كانت الصلوات صيحة صامتة، تطلب الرحمة والعدل في عالمٍ صامت.

من الشجاعية إلى خان يونس وجباليا، ترددت كلمات الدعاء بقوة غير معهودة: “اللهم إنك ترى، وتعلم، وتقدر، فارحمنا”.

تكبيرات تتحدى القصف

المفارقة الأكبر كانت حين ارتفعت التكبيرات من مآذن غزة في لحظة تزامنت مع قصف جوي عنيف. بدا وكأنّ أرواح الغزيين قررت أن ترتفع فوق ألسنة اللهب ودخان الحرب، مرددة “الله أكبر”.

أحد الشبان الغزيين روى الموقف قائلًا: “أكبرنا والحيطان تهتز من حولنا، خفنا.. لكن كملنا” رغم الخوف، لم يخمد صوت التكبير، وظل صدى الإيمان أقوى من صخب الحرب.

صمت العالم يقابله ضجيج الدعاء

على وقع الصمت الدولي، يتواصل النزيف الإنساني في غزة منذ أكثر من عامين. ومع كل يوم يمر، تضعف قدرة الأهالي على الاحتمال، لكن في يوم عرفة، لم يخفت صوت الدعاء في المستشفيات المليئة بالجرحى، وفي الأفران شبه المتوقفة، وبين أنقاض الأحياء، بقي الدعاء مستمرًا “من عرفات إلى غزة، اللهم كن معنا”،شعار تداوله النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في دعوة لأن يكون يوم عرفة هذا العام فرصة لصحوة الضمير العالمي.

رجاء لا ينطفئ

رغم كل ما مرت به غزة، ظل الأمل حاضرًا. وبينما أنهى الحجيج وقوفهم في عرفات، ختم أهل غزة يومهم بدعاء واحد: “اللهم أذِقنا طعم العيد، بلا فَقْد، بلا قصف، بلا خوف” كانت غزة يوم عرفة قلب النار، لكنها لم تنطفئ.. بل ظلت تشتعل دعاءً وإيمانًا.

التعليقات (0)