لماذا هذا التصريح الآن؟ التوقيت ليس عبثيًا

د. محمد الصاوي يكتب حين يصبح الدمار فضيلة: ماذا تعني تصريحات غراهام عن إبادة غزة؟

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 28 يوليو 2025, 6:19:53 م
  • eye 457
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
إبادة غزة_ تعبيرية

في مشهد يعكس انحطاط الخطاب السياسي الأمريكي وازدواجية المعايير الأخلاقية، خرج السيناتور الجمهوري المتطرف ليندسي غراهام – أحد أبرز صقور الحزب الجمهوري وألدّ المؤيدين للصهيونية – ليقارن ما تفعله إسرائيل في غزة بما قامت به أمريكا في طوكيو وبرلين خلال الحرب العالمية الثانية! تصريح لا يوصف فقط بالوقاحة، بل بالإعلان الصريح عن نوايا الإبادة الجماعية بحق شعب أعزل يعيش تحت الحصار منذ أكثر من 18 عامًا.

فماذا يعني هذا التصريح؟ ولماذا يكشف أكثر مما يخفي عن بنية العقل الاستعماري الأمريكي – الإسرائيلي المشترك؟

غزة ليست طوكيو ولا برلين.. إنها المختبر الأمريكي لتدمير القانون الدولي

حين يقارن غراهام غزة بطوكيو وبرلين، فهو ينزع عن الضحية إنسانيتها، ويعيد إنتاج سرديات تبرير الإبادة. في الحرب العالمية الثانية، كانت طوكيو وبرلين عاصمتين لدول ذات جيوش وإمكانيات نووية وحربية ضخمة. أما غزة، فهي شريط محاصر، يعيش فيه أكثر من مليوني إنسان، 70% منهم من اللاجئين، يعانون من انقطاع الكهرباء والماء والدواء والغذاء.

غراهام لا يجهل هذه الحقيقة؛ بل يستثمر في محوها ليبرر أمام العالم سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها إسرائيل في غزة تحت الغطاء الأمريكي الكامل.


من طوكيو إلى غزة.. العقلية نفسها، الإبادة باسم “القيم الغربية”

الرسالة الأعمق في تصريح غراهام ليست فقط في التبرير العلني للقتل الجماعي، بل في التشابه الهيكلي بين العقلية الإمبراطورية الأمريكية والصهيونية: دمار شامل = انتصار أخلاقي. فكما استخدمت واشنطن القنابل الحارقة ضد المدنيين اليابانيين وباركت تدمير برلين، تريد اليوم لإسرائيل أن تفعل الشيء نفسه مع الفلسطينيين تحت مسمى “الدفاع عن الديمقراطية”.

إنه عقل إبادي يتغذى على تفوق عنصري حضاري مزعوم، يرى في الآخر خطرًا وجوديًا، لا يمكن التعامل معه إلا بالإفناء.

لماذا هذا التصريح الآن؟ التوقيت ليس عبثيًا

جاء تصريح غراهام في لحظة فارقة ؛ بعد فشل إسرائيل في القضاء على المقاومة رغم مرور قرابة عامين  من العدوان ، بعد تصاعد الانتقادات الدولية، وصدور قرارات من محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بالإبادة ، في ظل حملة أمريكية لتجريم المقاطعة وشيطنة أي تضامن مع الفلسطينيين.

بالتالي، فتصريح غراهام ليس انفعالا فرديًا، بل جزء من سياسة ممنهجة لإعادة هندسة الخطاب السياسي الغربي، وتحويل الجرائم ضد الإنسانية إلى أفعال قابلة للتسويق باسم “الردع” و”القيم الحضارية”.

على العالم أن ينتبه.. أمريكا لا تزوّد إسرائيل بالسلاح فقط، بل بالخطاب الإبادي أيضًا

أمريكا لم تعد مجرد داعم لإسرائيل بالسلاح والمال، بل أصبحت شريكًا أصيلاً في إعادة إنتاج خطاب الإبادة الجماعية. تصريحات غراهام هي الامتداد السياسي لمنح القنابل الذكية، والفيتو في مجلس الأمن، والتغطية الإعلامية على المجازر.

إن أخطر ما في هذا التحالف هو تسييل المحرقة من حدث مدان إلى نموذج يُحتذى، حيث يصبح القصف الشامل والتدمير الكامل نموذجًا “مشروعًا” لإنهاء الصراعات السياسية.

من يوقف هذا الجنون؟ مسؤولية عربية وإسلامية وأممية

الصمت على خطاب مثل هذا يساوي التواطؤ. لقد بات واضحًا أن الخطاب السياسي الأمريكي – على الأقل في جناحه الجمهوري – يتبنّى منطق الإبادة الصريحة. وهذا يتطلب:
تحركًا دبلوماسيًا حازمًا عربيًا وإسلاميًا في المحافل الدولية ضد هذا الخطاب ، رفع دعاوى دولية ضد أصحاب هذا الخطاب باعتباره تحريضًا على الإبادة الجماعية (وفقًا لاتفاقية منع الإبادة لعام 1948) ، دعم مبادرات المقاطعة الشعبية للمسؤولين والشركات المرتبطة بهذا التوجه العنصري.

حين يُقارن طفل غزة المحاصر بمدن إمبراطورية مثل برلين وطوكيو، فنحن أمام عقل سياسي مريض يرى في المدنيين أهدافًا مشروعة، وفي القتل الجماعي حلا نهائيًا. تصريح غراهام ليس زلة لسان، بل مرآة تعكس الوجه الحقيقي للتحالف الأمريكي – الإسرائيلي: تحالف القنابل والخراب والكراهية المقدسة.

السؤال الآن ليس ماذا ستفعل إسرائيل، بل: إلى متى سيصمت العالم عن شركائها في الجريمة؟

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)