-
℃ 11 تركيا
-
23 سبتمبر 2025
د. محمد الصاوي يكتب: ترامب في الأمم المتحدة: خطة أمريكية لإنهاء حرب غزة أم إعادة إنتاج الأزمة؟
خطاب ترامب أمام الأمم المتحدة
د. محمد الصاوي يكتب: ترامب في الأمم المتحدة: خطة أمريكية لإنهاء حرب غزة أم إعادة إنتاج الأزمة؟
-
23 سبتمبر 2025, 7:39:49 م
-
417
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ترامب
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر 2025، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يرسم ملامح خطة أمريكية لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، مقدِّماً مزيجاً من التكتيكات الآنية والرؤى الطموحة لما بعد الحرب. لكن القراءة المتأنية لخطابه تكشف أن ما يقدّمه ترامب ليس سوى إعادة إنتاج لأزمة أطول، بقدر ما هو محاولة لصياغة مخرج سريع أمام الرأي العام.
رهائن مقابل هدنة: مقايضة سياسية لا تسوية جذرية
ترامب ركّز على معادلة “وقف إطلاق النار مقابل إطلاق الرهائن”، وهي صيغة تبدو جذّابة إعلامياً، لكنها في جوهرها لا تقدّم أكثر من هدنة مؤقتة. مثل هذه المقايضة قد تمنح إسرائيل فرصة لإعادة تنظيم صفوفها، وتمنح ترامب ورقة تفاوضية داخلية ودولية، لكنها لا تعالج جذور الأزمة ولا تحدّد مستقبل غزة أو الشعب الفلسطيني.
رفض الاعتراف بفلسطين: مكافأة لمن؟
جزء أساسي من خطاب ترامب كان رفضه لأي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية في هذه المرحلة، معتبراً ذلك “مكافأة للإرهاب”. هذا الطرح يتجاهل أن القضية الفلسطينية قضية شعب محتل منذ عقود، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس هبة سياسية بل حق وضرورة لسلام مستدام. في الوقت نفسه، يعكس الخطاب محاولة لعزل أوروبا ودول أخرى بدأت تتجه لخطوات عملية نحو الاعتراف بفلسطين، بما يخلق صدعاً في المعسكر الغربي نفسه.
“إعادة بناء” غزة: مشروع أم وصاية؟
الأخطر في خطاب ترامب كان تلميحه إلى دور أمريكي موسّع في إدارة غزة وإعادة إعمارها، عبر ما يشبه الوصاية المباشرة أو “إعادة التصميم” السياسي والاقتصادي. مثل هذا الطرح يثير مخاوف قانونية وأخلاقية كبرى، إذ يوحي بترتيبات قد تصل حدّ تهجير السكان أو تقليص السيادة الفلسطينية لصالح إدارة خارجية. وهو ما يتعارض مع القانون الدولي، ومع المواقف الإقليمية الصريحة لمصر والأردن وقطر ودول عربية أخرى الرافضة لأي محاولة لاقتلاع الفلسطينيين أو فرض وصاية دولية أحادية.
الخطة الأمريكية بين الواقعية والعزلة
يواجه خطاب ترامب ثلاث مشكلات بنيوية:
غياب الشرعية الدولية: أي إدارة مباشرة لغزة خارج إطار فلسطيني ودولي واسع ستُواجَه برفض قانوني وأممي.
رفض إقليمي واسع: الدول العربية المعنية –خاصة مصر والأردن– أعلنت رفضها الصريح لأي ترتيبات تقوم على التهجير أو الإدارة الخارجية.
قابلية تنفيذ محدودة: إعادة إعمار غزة تحتاج مليارات الدولارات وضمانات أمنية وقوة حفظ سلام، وهو ما لا تستطيع واشنطن فرضه منفردة دون تحالف متماسك.
إلى أين تتجه الأمور؟
السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تبقى معادلة ترامب (رهائن مقابل هدنة) مدخلاً إلى تفاوض قصير الأجل، بينما يُدفن مشروع “الاستيلاء على غزة” تحت ضغط الرفض الدولي والإقليمي. وفي أفضل الأحوال، قد تُفتح نافذة نحو إدارة متعددة الأطراف تشارك فيها الأمم المتحدة ودول عربية، وهو ما تحاول أوروبا الدفع نحوه بالفعل.
لكن ما يغيب عن خطاب ترامب –كما غاب عن خطابات رؤساء أمريكيين قبله– هو جوهر الصراع: الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وضرورة حلّ سياسي عادل ومستدام. دون معالجة هذه الجذور، ستظل أي خطة أمريكية مجرد محاولة لإدارة الأزمة لا إنهائها.








