-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
تحليل عسكري: البحرية الأمريكية تحت النار في البحر الأحمر
تحليل عسكري: البحرية الأمريكية تحت النار في البحر الأحمر
-
5 يونيو 2025, 8:43:32 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. رامي أبو زبيدة
تشير المعلومات التي كشفت عنها صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن البحرية الأمريكية، وعلى الرغم من تفوقها التقني والعددي، وجدت نفسها في مواجهة اختبار ميداني غير مسبوق أمام جماعة الحوثي المسلحة في البحر الأحمر. تتحدث الأرقام عن استنزاف عسكري حقيقي ومكلف، يكشف عن ثغرات في الجاهزية العملياتية، ويطرح تساؤلات جدية حول قدرة هذا الأسطول على خوض نزاعات كبرى مرتقبة، وعلى رأسها صراع محتمل مع الصين.
ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال يمكن تحليله وفق السياق العسكري على النحو التالي:
1. اختبار لقدرة الردع الأمريكية:
كشف مسؤولون أمريكيون للصحيفة أن البنتاغون يدرس بجدية كيفية تمكن الحوثيين من تحدي واختبار أقوى أسطول بحري في العالم، في إشارة إلى فشل أدوات الردع التقليدية الأمريكية في كبح جماعة مسلحة تفتقر لأدنى مقومات الحرب التقليدية. هذا التحليل يعكس إدراكًا داخليًا بوجود "تحول نوعي" في قدرات الجماعات غير النظامية على إلحاق الأذى بأساطيل كبرى عبر وسائل هجينة ومنخفضة الكلفة.
2. مشاركة كثيفة... لكن النتائج محدودة:
أورد التقرير أن 30 سفينة أمريكية شاركت في العمليات القتالية منذ أواخر 2023، أي ما يعادل نحو 10% من مجمل الأسطول الأمريكي – وهي نسبة تعكس تورطًا مباشرًا واسع النطاق، لم يؤتِ ثماره الحاسمة على الأرض. هذه المشاركة الضخمة لا تتناسب مع المخرجات الميدانية، ما يشير إلى فشل تكتيكي في تحييد التهديدات الحوثية المتنقلة والمتطورة.
3. كلفة مالية باهظة:
أكد مسؤول أمريكي أن القوات الأمريكية أمطرت الحوثيين بذخائر لا تقل عن 1.5 مليار دولار، وهو رقم ضخم في سياق مواجهة مع طرف غير حكومي، ما يكشف عن فجوة بين كلفة الدفاع الأمريكية وكلفة الهجوم الحوثي. بمعنى آخر: الحوثي يستخدم صواريخ وطائرات مسيرة بمئات الدولارات، فيما ترد أمريكا بصواريخ تفوقها بعشرات الأضعاف.
4. تجربة ميدانية قاسية:
وصف مسؤولون في البحرية الأمريكية هذه المواجهات بأنها تجربة لا تقدر بثمن، وهو تعبير يحمل معنيين: الأول إيجابي من حيث صقل الجاهزية العملياتية، والثاني سلبي من حيث ما كشفته التجربة من ثغرات مؤلمة في الاستجابة، التنسيق، والاستخبارات البحرية.
5. البحر الأحمر ساحة "بروفة" لصراع أكبر:
أحد أخطر ما ورد في التقرير هو تصريح مسؤولين أمريكيين بأن الصراع في البحر الأحمر يُنظر إليه في البنتاغون على أنه "إحماء" لصراع محتمل مع الصين، ما يشي بتحول البحر الأحمر إلى ساحة اختبار للأنظمة الدفاعية، حرب الشبكات، والاستجابة المشتركة بين وحدات البحرية المختلفة – تمهيدًا لمواجهة "الخصم الأكبر" في المحيط الهادئ.
6. إخفاقات تنظيمية وهيكلية داخل الأسطول الأمريكي:
كشفت الصحيفة عن تحقيقات في حادثتي تصادم بحري منفصلتين ضمن مجموعة حاملة الطائرات ترومان، ما يثير القلق بشأن إدارة العمليات في ظروف ضغط عالٍ، ووجود مشكلات في التنسيق والقيادة. الأخطر هو فقدان 3 طائرات مقاتلة من على متن الحاملة، وهو حادث خطير يتطلب مراجعة جذرية لإجراءات السلامة والجاهزية.
خلاصة وتقدير موقف:
ما يجري في البحر الأحمر اليوم يمثل أزمة بنيوية للأسطول الأمريكي أكثر مما هو إنجاز تكتيكي للحوثيين فقط. الأخيرة نجحت في توجيه "ضربة رمزية" لقوة عظمى، من خلال معادلات غير متكافئة، ما يعيد إحياء أدبيات "حروب العصابات البحرية"، ويثبت أن التكنولوجيا المتقدمة وحدها لا تكفي لحسم معارك المجال البحري الحديث.
التقدير العسكري يشير إلى أن هذا الاستنزاف قد يتحول إلى نقطة ضعف استراتيجية أمام خصوم مثل الصين، ويطرح تساؤلات جدية حول جدوى الهيكل العملياتي للأسطول الأمريكي، وقدرته على امتصاص الضربات المفاجئة والمتعددة الجبهات.









