تصاعد الطلب على المنازل المحصنة

تأثير الصواريخ الإيرانية: ارتفاع أسعار إيجار الشقق التي تضم غرفا محصنة

profile
  • clock 21 يونيو 2025, 10:58:18 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

تسببت الحرب المتواصلة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران في سلسلة من التداعيات الاقتصادية التي باتت تلقي بظلالها الثقيلة على الداخل الإسرائيلي، لا سيما في سوق العقارات والإسكان. إحدى أبرز هذه التداعيات كانت الارتفاعات الحادة في أسعار الإيجارات للمنازل التي تحتوي على غرف محصنة، وهي الغرف المُحصنة المخصصة للحماية من الصواريخ في البنايات السكنية.

البيانات تشير إلى أن الشهور الأخيرة، والتي شهدت تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات الصاروخية الإيرانية على الجبهة الداخلية، قد دفعت العائلات الإسرائيلية، خصوصًا في مناطق الشمال والوسط، إلى البحث المحموم عن مساكن تتضمن غرفًا محصنة. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار بمعدلات حادة وصلت إلى ما بين 20% و50% في بعض المدن، مقارنة بفترة ما قبل التصعيد. هذا الواقع يعكس، على نحو واضح، تزايد الشعور بعدم الأمان وتآكل الثقة بالقدرة الرسمية على توفير الحماية الكافية.

ارتفاعات هائلة في المستوطنات الشمالية

المدن الواقعة في الشمال، مثل كرميئيل ونهاريا وعتليت، كانت من أكثر المناطق تأثرًا بهذا الارتفاع الجنوني. على سبيل المثال، في كرميئيل، سجلت أسعار الإيجار للمنازل التي تحوي غرفة محصنة قفزة بنسبة 50% خلال الشهور القليلة الماضية، حيث ارتفع متوسط الإيجار من 3000 شيكل إلى أكثر من 4500 شيكل شهريًا. وفي نهاريا، قفز الإيجار بنسبة 40%، بينما بلغت الزيادة في عتليت 30%.

هذه الزيادات غير المسبوقة ليست فقط مؤشرًا على القلق الشعبي، بل تعكس أيضًا تحول سوق العقارات إلى سوق طارئ خاضع لحالة الحرب الدائمة. وهو تحول لا يخلو من دلالات سياسية وأمنية، تُظهر أن الضربات الإيرانية نجحت في زعزعة الاستقرار الداخلي رغم محاولات الاحتلال المستمرة للتقليل من آثارها.

ضعف الاستجابة الحكومية

في ظل هذه التطورات، بدا واضحًا أن الحكومة الإسرائيلية غير قادرة على مواكبة التحديات المتزايدة. فلا توجد حتى الآن آلية رسمية لتعويض السكان الذين اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب افتقارها للحماية، ولا توجد خطة طوارئ شاملة لتوسيع نطاق بناء الغرف المحصنة في كافة المناطق السكنية. هذا القصور في الاستجابة الرسمية ساهم في رفع الأسعار، إذ بات الطلب على الشقق المحصنة يفوق بكثير العرض المتوفر، مما أغرى أصحاب العقارات برفع الإيجارات دون أي رقابة.

ويترافق هذا مع موجة من الهجرة الداخلية، إذ بدأت مئات العائلات بالنزوح من المناطق غير المحمية باتجاه المدن التي تحتوي على أبنية أحدث وأكثر تجهيزًا، ما يزيد الضغط على تلك المناطق ويفاقم الأزمة الاقتصادية.

تكاليف الحرب على الاقتصاد

رغم أن الخطاب الرسمي الإسرائيلي يحاول التقليل من وقع الضربات الإيرانية ويُصر على أن قدرات طهران "آخذة في التآكل"، إلا أن الواقع الاقتصادي يفند هذه المزاعم. فالمؤشرات الاقتصادية، خصوصًا في قطاع الإسكان، تكشف عن كلفة باهظة تدفعها إسرائيل مع كل موجة قصف إيرانية.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي، فقط من الاضطرابات في قطاع العقارات، قد تجاوزت المليارات خلال شهري مايو ويونيو. هذا دون احتساب الخسائر في قطاعات النقل، والسياحة، والإنتاج الصناعي، التي تعاني بدورها من حالة من الشلل الجزئي بسبب استمرار القصف.

كما أن الضغط على بنك إسرائيل يتزايد مع المطالبات بضبط السوق العقاري ووقف جشع المُلاك، ما قد يؤدي إلى تدخلات مالية جديدة تزيد من الضغط على الميزانية العامة التي تستنزف أصلًا في تمويل العمليات العسكرية وتوسيع أنظمة الدفاع.

القلق يرفع الأسعار

ما يحدث في السوق العقاري لا يتعلق فقط بالعرض والطلب، بل يرتبط في عمقه بمستوى القلق الشعبي المتصاعد. فالغرفة المحصنة لم تعد مجرد ميزة إضافية، بل تحولت إلى شرط أساسي للسكن الآمن. هذا التحول في وعي المستهلك الإسرائيلي يعكس هشاشة الجبهة الداخلية ومدى فاعلية القصف الإيراني في زعزعة الشعور بالاستقرار.

المخاوف المتزايدة من تجدد الضربات الإيرانية وامتدادها إلى العمق الإسرائيلي، خصوصًا في ظل التوترات المتصاعدة على الحدود مع لبنان وسوريا، تجعل من استمرار هذه الأزمة أمرًا مرجحًا، بل ومتفاقمًا. كما أن تصريحات نتنياهو بشأن "انهيار قريب" للقدرات الإيرانية تبدو، في ضوء هذه التطورات، أقرب إلى محاولة تهدئة داخلية منها إلى تقييم استراتيجي واقعي.

التوقعات: أزمة مرشحة للتفاقم

مع استمرار الضربات الإيرانية، ومع غياب خطة إسرائيلية متماسكة لحماية السكان المدنيين، فإن أزمة الإسكان مرشحة للمزيد من التفاقم. ويتوقع خبراء أن تستمر أسعار الإيجارات في الارتفاع، خصوصًا في المناطق القريبة من الجبهات، بل وحتى في الوسط، حيث بدأت بوادر القلق تصل إلى تل أبيب وبيتاح تكفا.

وإذا استمرت موجات النزوح الداخلي، فإن ذلك سيتسبب في ضغط هائل على البنية التحتية والخدمات في المدن الكبرى، مما سينعكس سلبًا على جودة الحياة ويزيد من معدلات الاستياء الشعبي، ويهدد بتآكل الثقة بالحكومة، حتى من داخل جمهور ناخبيها التقليدي.

الحرب من السماء.. والضرب في الجيوب

الخلاصة أن الضربات الإيرانية، وإن لم تتسبب في انهيار مباشر للبنية التحتية أو وقوع أعداد ضخمة من الضحايا، فإن أثرها غير المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي بالغ الخطورة. فمن خلال استهداف الوعي الجمعي والطمأنينة الاجتماعية، نجحت إيران في ضرب جيوب الإسرائيليين، وفي خلق أزمة هيكلية في واحد من أكثر القطاعات حساسية في أي دولة: الإسكان.

المؤشرات الحالية تنذر بأن الأزمة لم تصل ذروتها بعد، بل ما زالت في تصاعد، وهو ما يجعل استمرار القصف الإيراني، ولو بشكل محدود، عامل ضغط اقتصادي وسياسي هائل على دولة الاحتلال، يصعب التنبؤ بنتائجه في المدى القريب.

التعليقات (0)