تواطؤ أمريكي قانوني علني لحماية آلة الحرب الإسرائيلية

"القانون الدولي يُجيز ذلك".. واشنطن تدافع عن قصف الاحتلال وكالات الأمم المتحدة

profile
  • clock 30 أبريل 2025, 2:54:07 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تستمع محكمة العدل الدولية إلى ممثل الولايات المتحدة، جوشوا سيمونز، وهو يقدم مرافعاته في 30 أبريل 2025 (ميدل إيست آي)

في مشهد يعكس الانحياز الأمريكي السافر لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، دافع مسؤول أمريكي، الأربعاء، أمام محكمة العدل الدولية عن الهجمات الإسرائيلية على وكالات الأمم المتحدة في غزة، معتبرًا أن هذه الهجمات قد تكون "قانونية" إذا افتقرت تلك الوكالات إلى الحياد، وذلك في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل فرض حظر كامل على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع للشهر الثاني على التوالي.

جاءت هذه التصريحات في اليوم الثالث من جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي تبحث التزامات إسرائيل القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسط توافق واسع بين الدول المشاركة على أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي بمهاجمتها المنظمات الإنسانية الدولية منذ بدء عدوانها على غزة في أكتوبر 2023.

لكن الولايات المتحدة، وعلى خلاف الموقف الدولي العام، اختارت الوقوف مع الاحتلال، ليس فقط سياسيًا، بل قانونيًا وعلنيًا، بإعطاء غطاء دولي لأي استهداف لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تتعرض لهجوم منهجي إسرائيلي منذ شهور.

أونروا في مرمى نيران إسرائيل وغطاء أمريكي كامل

انطلقت هذه الإجراءات القضائية بعد أن أعلنت إسرائيل في أكتوبر حظر عمل أونروا في المناطق المحتلة، في خطوة اعتُبرت حينها خرقًا صريحًا لميثاق الأمم المتحدة، خاصة ما يتعلق بـ"الامتيازات والحصانات" الممنوحة للوكالات الدولية العاملة تحت رايتها. القرار الإسرائيلي فجّر موجة إدانات واسعة، وسط مطالبات بطرد إسرائيل من الأمم المتحدة نفسها.

وفي مواجهة مرافعة قانونية قدمها المستشار القانوني الأعلى للأمم المتحدة، بالإضافة إلى 12 دولة من بينها جنوب أفريقيا ومصر وتركيا، خرج ممثل الولايات المتحدة جوشوا سيمونز — المسؤول الرفيع في مكتب المستشار القانوني بوزارة الخارجية الأمريكية — ليدافع عن وجهة النظر الإسرائيلية، مستخدمًا قراءة انتقائية للقانون الدولي الإنساني، تقر عمليًا بسلطة الاحتلال في منع وصول المساعدات.

وقال سيمونز إن القانون الدولي "لا يفرض التزامات غير مشروطة على قوة الاحتلال فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية"، مستشهدًا بالمادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تُنظّم مسؤوليات الاحتلال في الشأن الإنساني.

لكن في تأويل بعيد عن روح النصوص القانونية، قال إن هذه المادة لا تُلزم إسرائيل بالسماح بدخول الإغاثة، طالما أن المنظمات التي تقدمها لا تتسم بـ"الحياد"، مشيرًا إلى أن المنظمات الثالثة يجب أن تكون "محايدة تمامًا" كي يُسمح لها بالعمل، مستثنيًا بذلك أونروا ضمنًا.

اتهامات أمريكية لأونروا: بلا أدلة وتكرار لرواية الاحتلال

ولم يكتف المسؤول الأمريكي بهذه القراءة المتحيزة، بل وجّه اتهامات مباشرة لأونروا، مستشهدًا بادعاءات إسرائيلية لم تُثبت صحتها حتى الآن.
قال سيمونز:

"هناك مخاوف جدية بشأن حياد أونروا، بما في ذلك معلومات تشير إلى استخدام حماس لمرافق الوكالة، ومشاركة موظفين في هجوم 7 أكتوبر الإرهابي".

بهذا المنطق، فإن المساعدات الإنسانية تصبح مشروطة بمعايير أمنية إسرائيلية، ويُفتح الباب أمام استهداف منظمات الإغاثة تحت ذرائع لا تخضع لأي تحقق دولي. ولعل الأخطر أن الولايات المتحدة، بهذا التصريح، تحرّف جوهر القانون الدولي، الذي يفرض على الاحتلال التزامات صارمة تجاه السكان الخاضعين له، بغض النظر عن تقييمه "السياسي" أو "الأمني" للجهات المقدمة للمساعدة.

وقد أضاف سيمونز:

"قانون الاحتلال يحفظ للدولة المحتلة حق تقدير أمنها، بما في ذلك تقييد أو منع نشاط منظمات أو دول ثالثة إذا كان ذلك متعارضًا مع أمنها".

عداء إسرائيل لأونروا: رفض لحق العودة ومحاولة لطمس النكبة

يُذكر أن إسرائيل تكن عداءً طويلًا لأونروا، لا لأسباب أمنية، بل لأن الوكالة تُجسد فعليًا الاعتراف الدولي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من ديارهم عام 1948. الحفاظ على صفة "لاجئ" لأبناء وأحفاد المهجرين من النكبة يُعد، في نظر إسرائيل، تهديدًا وجوديًا لسرديتها التاريخية.

وقد صعّدت إسرائيل هجومها في يناير 2024، حين اتهمت 12 من موظفي أونروا بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر، زاعمة أنهم ساعدوا في خطف مدنيين وتوزيع ذخيرة. لكن تحقيقًا داخليًا مستقلًا أجرته الأمم المتحدة لم يجد أي دليل يثبت صحة هذه الادعاءات، بل كشف أن إسرائيل لم تستجب لأي طلب رسمي للحصول على أدلة أو أسماء، ولم تقدم منذ 2011 أي ملف رسمي يشير إلى انتهاكات من موظفي أونروا.

تقييد العدالة الدولية: أمريكا تشرعن الاستهداف وتهدد الإغاثة

في تصعيد إضافي، قررت وزارة العدل الأمريكية الأسبوع الماضي أن أونروا لا تتمتع بحصانة قانونية في الولايات المتحدة، ما يفتح الباب أمام ملاحقتها قضائيًا، ويُشكل تهديدًا مباشرًا لأكبر مؤسسة إنسانية تخدم الفلسطينيين.

أونروا، التي يعتمد عليها أكثر من 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن، توفر خدمات حيوية تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات الغذائية، وتوزيع الوقود. وأي تقويض لها قد يؤدي إلى انهيار الشريان الإنساني الأخير للفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار.

وبحسب أحدث تقارير الوكالة، فإن إسرائيل اغتالت ما لا يقل عن 290 من موظفي أونروا منذ أكتوبر 2023، ونفذت 830 هجومًا على مقارها أو أماكن يختبئ بها مدنيون تحت رايتها. هذه الهجمات، التي ترقى لجرائم حرب وفق القانون الدولي، لم تلقَ حتى اللحظة أي إدانة أمريكية واضحة، بل تجد غطاءً قانونيًا ضمنيًا من تصريحات مسؤوليها.

موقف دولي داعم لأونروا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية

في المقابل، استمرت دول عديدة في الدفاع عن أونروا وحق الشعب الفلسطيني في المساعدة والحماية. وقد كررت المجر – إلى جانب الولايات المتحدة – ذات الادعاءات بشأن "عدم حياد" أونروا، لتكون بذلك الدولة الوحيدة الأخرى التي تتطابق مع الرواية الإسرائيلية في جلسات المحكمة.

لكن ردود الفعل الدولية على هذا الانحياز جاءت حادة. فقد وصف السفير الفلسطيني لدى هولندا والمنظمات الدولية، عمار حجازي، موقف واشنطن وبودابست بأنه "منفصل عن القانون الدولي ومتناقض مع مبادئه الأساسية".
وقال لموقع ميدل إيست آي:

"التدخل الأمريكي ضيق جدًا، إذ يسلط الضوء فقط على ما يُفترض أنها حقوق دولة الاحتلال، ويتجاهل تمامًا سلسلة الواجبات التي تنتهكها إسرائيل بلا توقف".

ووصف حجازي الموقف الأمريكي بأنه قراءة انتقائية مغرضة للقانون الدولي، تعكس تناقضًا صارخًا بين حديث واشنطن عن دعم المساعدات لغزة وبين صمتها على استخدامها كسلاح حرب من قِبل إسرائيل.

وأكد:

"الجميع يعلم أن إسرائيل تستخدم المساعدات الإنسانية كسلاح لتجويع سكان غزة".

أما الموقف المجري، فاعتبره "مجرد صدى للنقاط الدعائية الإسرائيلية، ولا يستحق حتى الرد"، على حد تعبيره.

موسكو وجاكرتا: دفاع عن القانون الدولي وترشيح أونروا لجائزة نوبل

خلافًا للموقف الأمريكي، أكدت روسيا أمام المحكمة أن الإجراءات الإسرائيلية ضد أونروا تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي، ومخالفة لميثاق الأمم المتحدة ذاته.

وقال ماكسيم موسيخين، مدير الدائرة القانونية في وزارة الخارجية الروسية:

"القوانين الإسرائيلية التي تحظر أونروا ستُفاقم الأوضاع وتُقوض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".

وعبّر عن دعمه لترشيح أونروا لنيل جائزة نوبل للسلام تقديرًا لجهودها في غزة، مؤكدًا أن "هذه الجائزة ستكون مستحقة وفي توقيت مفصلي".

وفي حديث خاص لـميدل إيست آي بعد الجلسة، شدد موسيخين على رفض موسكو التام للحجج الأمريكية والمجرية، قائلًا:

"نحن ندعم أونروا بشكل كامل، ويجب احترام القانون الدولي من قبل إسرائيل، خصوصًا فيما يتعلق بالوكالات الأممية".

وأضاف:

"إذا كانت هناك أي مخاوف أمنية، فعلى إسرائيل أن تتشاور مع الأمم المتحدة، لا أن تغلق الوكالة أو تقصفها".

كما عبّر وزير خارجية إندونيسيا، سوجيونو، عن دعم بلاده لأونروا و"حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير"، متهمًا إسرائيل بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة بعدم احترامها امتيازات الوكالات الدولية.

وقال أمام المحكمة:

"تصرفات إسرائيل تتعارض تمامًا مع التزاماتها الدولية، وتُقوض وجود الأمم المتحدة ذاتها في الأراضي المحتلة".

أمريكا تعزل نفسها عن العالم دفاعًا عن الاحتلال

مع استمرار جلسات محكمة العدل الدولية، يتضح أن الولايات المتحدة، وبدرجة أقل المجر، تقفان في مواجهة الرأي القانوني العالمي الموحد تقريبًا، الذي يرى في أفعال إسرائيل جريمة جماعية بحق القانون الدولي ومبادئ العدالة.

وفي حين تُمعن واشنطن في إعادة صياغة القانون الدولي ليخدم رواية الاحتلال، تصر بقية دول العالم على أن الحق في الحياة والإغاثة لا يمكن رهنه بمزاج سياسي لدولة محتلة، خصوصًا حين تُستخدم هذه الذرائع لتبرير إبادة بطيئة بحق شعب أعزل.

التعليقات (0)