أدوات العدو تمددت إلى ميدان الحرب النفسية والأمنية

العدو يضرب من الداخل: الفوضى والشائعات أدوات حرب جديدة ضد غزة

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 2 يونيو 2025, 2:02:06 م
  • eye 439
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

✍️ رامي أبو زبيدة – رئيس تحرير موقع 180 تحقيقات | باحث في الشأن الأمني والعسكري

في خضم المواجهة المستعرة في قطاع غزة، لم تعد أدوات العدو تقتصر على الغارات والصواريخ، بل تمددت إلى ميدان الحرب النفسية والأمنية، حيث يخوض الاحتلال معركته عبر أدوات ناعمة وخفية، تستهدف قلب الجبهة الداخلية الفلسطينية. فالإعلام العبري الناطق بالعربية، والصفحات الإخبارية الوهمية، والمنصات المشبوهة التي تنتحل صفة جهات شعبية، جميعها تعمل وفق مخطط استخباري منظم هدفه الأساسي تقويض الثقة، وبث الفوضى، وتشويه صورة المقاومة، وإرباك وعي الناس.

لم تعد الشائعة مجرد خبر كاذب عابر، بل تحوّلت إلى سلاح مركزي في ترسانة العدو، يُدار بعناية من داخل غرف العمليات النفسية التابعة لجيش الاحتلال و"الشاباك". يتم عبر هذه المنصات ضخ روايات ملفقة عن خلافات داخل المقاومة، أو انهيارات مزعومة في البنية الأمنية، أو حراكات شعبية تدّعي تمثيل الناس الجوعى، بينما هي في حقيقتها أدوات وظيفية تخدم المشروع الإسرائيلي في تفتيت الجبهة الداخلية، وتحويل غزة إلى ساحة عبث يسهل التحكم بها. حين يروج إعلام الاحتلال لبيانات مجهولة المصدر، ويتبعها في النشر حسابات وهمية، ثم تعيد بعض المنصات المرتبطة بأجهزة مخابرات محلية تداولها، فإننا أمام شبكة متكاملة من العمليات النفسية تستهدف ثوابت الوعي الجمعي، وتعمل وفق منطق التشكيك والإرباك وإضعاف المعنويات.

الاحتلال اليوم لا يكتفي بحصار غزة وتجويع أهلها، بل يسعى لهندسة الفوضى من داخلها، مستخدمًا أدوات محلية مجنّدة، تتستر خلف عناوين كـ"الحراكات الشعبية"، بينما تمارس في الواقع عمليات تخريب ممنهج، وسرقة للمساعدات، واعتداءات على المواطنين والشرطة، في ظل تغطية مباشرة من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية. ما يجري من "سطو منسق" على شاحنات المساعدات ليس فعلاً عشوائيًا، بل عملية أمنية مركبة، يجري فيها توزيع الأدوار بين المنفّذين على الأرض والموجهين عن بعد، بهدف ضرب ثقة الناس بالمؤسسات، وإضعاف بنية الصمود الشعبي، وخلق بيئة أمنية مهزوزة تمهّد لتدخلات ميدانية أكثر خطورة.

ما يُروج له من بيانات مناطقية مشبوهة لا علاقة له بالجياع أو أصحاب الحاجة، بل هو غطاء تضليلي لتحركات مشبوهة تقودها عناصر مدفوعة الأجر، تعمل على إثارة الفوضى، وإغلاق الطرق، وزرع بذور الفتنة المناطقية. إنها أدوات مدروسة لتفجير المجتمع من داخله، وإشغال الناس ببعضهم، وتشتيت الانتباه عن المواجهة الحقيقية. وما الشائعات حول انشقاقات داخلية في فصائل المقاومة، والتي ثبت أن مصدرها صفحة الناطق باسم جيش الاحتلال، إلا جزء من هذا المسار الهادف لضرب وحدة الصف المقاوم، والتشكيك بصلابة الجبهة الخلفية للميدان.

في ظل هذه الهجمة المركبة، يصبح الحذر الإعلامي والأمني واجبًا وطنيًا. لا يجوز التفاعل مع إعلام العدو تحت أي مبرر، فكل نقرة إعجاب أو مشاركة لأخباره هي خيانة للوعي، وكل ترويج لشائعاته هو خدمة مجانية لمخططاته. على أبناء شعبنا أن يدركوا أن الحرب اليوم ليست فقط في السماء أو الميدان، بل في كل جهاز محمول، وكل شاشة مضيئة، وكل منشور على وسائل التواصل. العدو لا ينام، ويبحث عن أي ثغرة لاختراق الصفوف، سواء عبر العملاء التقليديين أو عبر أدوات رقمية أكثر خبثًا وتأثيرًا.

المطلوب الآن هو وعي جماعي صارم، ورفض قاطع لأي خطاب مشبوه، وتبليغ فوري عن أي تحركات مريبة. على الناس أن يحاصروا هذه الظواهر، ويعزلوا الفاعلين، ويدعموا المؤسسات الأمنية التي تتحمّل عبئًا ثقيلًا في معركة متعددة الجبهات. يجب أن نُجرّم التستّر على المتورطين في هذه الأفعال، لا باعتبارهم لصوصًا فقط، بل كأذرع وظيفية تابعة للعدو، تُمارس التخريب وتعبث بأمن غزة المغدورة. فكل سرقة مساعدات ليست جريمة فردية، بل هجوم أمني مغلف بالجوع والابتزاز، وكل دعوة لحراك مناطقي ليست حرية تعبير، بل مشروع تفكيك من الداخل.

المعركة اليوم لا تحتمل تردّدًا، والمجتمع أمام اختبار وعي لا يقل خطورة عن اختبار الصمود في وجه العدوان العسكري. النصر لا يصنعه الميدان وحده، بل يحسمه وعي الناس وثباتهم، وقدرتهم على التفريق بين الغضب الصادق والمخطط الخبيث، بين المطالبة بحقوقهم وبين أن يكونوا أدوات في أيدي أعدائهم دون أن يعلموا.

التعليقات (0)