قمع ممنهج لمعارضي الحرب باسم "السيادة"

الاحتلال يناقش فرض ضريبة بنسبة 80% على التبرعات الأجنبية للمنظمات غير الحكومية:

profile
  • clock 6 مايو 2025, 11:08:13 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في سياق سياسي يتسم بتصاعد السلطوية وتضييق الخناق على الأصوات المعارضة لاسيما فيما يخص وقف الحرب على غزة، تمضي حكومة بنيامين نتنياهو في خطوات متسارعة نحو إعادة تشكيل المشهد في كيان الاحتلال بما يخدم بقاءها وسيطرتها. فبعد محاولات مستمرة للحد من استقلال القضاء، واستهداف وسائل الإعلام، وملاحقة النشطاء، يأتي الآن دور منظمات المجتمع المدني، لا سيما تلك التي تحظى بدعم خارجي وتشكّل حجر زاوية في مراقبة أداء الحكومة وكشف انتهاكاتها.

مشروع قانون جديد يناقشه الكنيست الإسرائيلي يهدف إلى فرض ضريبة باهظة تصل إلى 80% على التبرعات الأجنبية للمنظمات غير الحكومية، في خطوة تُقرأ على نطاق واسع كأداة جديدة لإخضاع المجتمع المدني وكبح الأصوات المعارضة، تحت ستار "السيادة الوطنية" ومنع "التدخل الأجنبي".

وبدأت لجنة برلمانية إسرائيلية، يوم الاثنين، مناقشة مشروع قانون يفرض ضريبة بنسبة 80% على المنظمات غير الحكومية التي تتلقى غالبية تمويلها من كيانات أجنبية، في خطوة تُعد محاولة للحد من التأثير الأجنبي داخل الدولة. ويمنع مشروع القانون المقترح هذه المنظمات من تقديم التماسات إلى المحاكم الإسرائيلية، بما في ذلك المحكمة العليا، مع منح وزير المالية صلاحية استثنائية لإعفاء بعض الحالات من هذه الضريبة.

استثناءات محدودة تعزز الطابع الانتقائي للقانون

وفقًا للنص المقترح، سيتم إعفاء المنظمات الممولة من كيان الاحتلال، وكذلك تلك التي يقل حجم مبيعاتها السنوية عن 100 ألف شيكل (أي ما يعادل نحو 27,668 دولارًا). ويُظهر هذا التحديد المتعمد أن القانون يستهدف بشكل مباشر المنظمات ذات الطابع الحقوقي والسياسي التي تعتمد على التمويل الأجنبي، ولا يشمل المؤسسات القريبة من الحكومة أو التي تعمل في نطاقات ضيقة غير مؤثرة سياسيًا.

جاءت المناقشات داخل لجنة الدستور والقانون والعدل في الكنيست متوترة، وتجلّى الانقسام بوضوح على أساس التحالفات السياسية. وتعمل اللجنة حاليًا على تجهيز مشروع القانون لقراءته الأولى في الجلسة العامة للكنيست، في خطوة تمهد لإقراره في ظل هيمنة ائتلاف نتنياهو الحاكم.

مبررات تُستخدم لتكميم الأفواه

قال عضو الكنيست أريئيل كالنر، راعي مشروع القانون، خلال الجلسة: "هذا القانون سيحافظ على الدولة اليهودية والنظام الديمقراطي، وسيمنع التدخلات الأجنبية غير المشروعة". وأضاف أن ما قيمته 1.3 مليار شيكل تم تحويلها من الخارج إلى 83 منظمة إسرائيلية بين عامي 2012 و2024، بمعدل يومي يقارب 300 ألف شيكل. وادعى كالنر أن "هذه الأموال لا تُخصص لمشاريع اجتماعية أو تعليمية أو تنموية، بل تُستخدم بشكل أساسي للتأثير على السياسات الإسرائيلية من خلال الجهاز القضائي والإعلام والساحة الدولية"، على حد تعبيره. وختم بالقول: "يجب أن يُصاغ مستقبل دولة إسرائيل من قبل مواطنيها، وليس من قبل حكومات أجنبية".

المعارضة تنتقد: الحكومة تسعى لإسكات الأصوات المخالفة

في المقابل، وجّه نواب المعارضة انتقادات لاذعة لمشروع القانون، مؤكدين أنه يُعد محاولة واضحة لخنق الأصوات التي لا تتماشى مع سياسات الحكومة، بما في ذلك وسائل الإعلام. وذهب بعضهم إلى القول إنه إذا كانت الحكومة جادة في منع التأثير الأجنبي، فعليها أن تطبق نفس المعايير على الشركات أيضًا، وليس فقط على منظمات المجتمع المدني.

منظمات حقوقية تحذّر: تهديد مباشر للديمقراطية والمجتمع المدني

أرسلت منظمة "عدالة" – المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل – رسالة إلى رئيس اللجنة البرلمانية، موقعة من تسع منظمات غير حكومية، تطالب بوقف مشروع القانون فورًا. وجاء في الرسالة: "هذا المشروع يشكل هجومًا مباشرًا على المجتمع المدني، وسيادة القانون، والبنية الدستورية الأساسية لما تبقى من ديمقراطية إسرائيلية". وأضافت الرسالة: "إنه يهدد حقوق الأفراد والمجتمعات، ويسعى لإسكات المعارضة الشرعية تحت ذريعة الحفاظ على السيادة".

أداة جديدة بيد حكومة نتنياهو لتأديب المجتمع المدني

تُظهر تفاصيل القانون وسياق طرحه أن حكومة بنيامين نتنياهو تسعى لاستخدام الكنيست كأداة لإخراس أي محاولة لمساءلتها أو تحدي روايتها الرسمية، خصوصًا من قبل المنظمات الحقوقية والإعلامية المستقلة. ويبدو أن التضييق على هذه المنظمات بات جزءًا من استراتيجية أوسع تستهدف تقليص الفضاء الديمقراطي وإعادة تعريف "الشرعية" بما يتوافق مع سياسات اليمين الحاكم.

التعليقات (0)