كيف تدعم الطبقة الثرية الاستبداد؟

استقالة برنامج "60 دقيقة" تفضح خضوع الإعلام أمام ترامب

profile
  • clock 28 أبريل 2025, 12:21:54 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
لقطة من مقابلة دونالد ترامب مع مراسلة برنامج 60 دقيقة ليزلي ستال في 25 أكتوبر 2020.

منذ عام 2016، تولى بيل أوينز قيادة برنامج "60 دقيقة"، ليصبح ثالث منتج تنفيذي فقط في تاريخ برنامج الأخبار الشهير على شبكة CBS. وعندما أعلن استقالته لموظفيه يوم الثلاثاء عبر مذكرة داخلية، بدأ بالقول: "الواقع أن برنامج 60 دقيقة كان حياتي". ولم تكن هذه عبارة مبالغ فيها، فقد أمضى أوينز 37 عامًا في CBS News، معظمها في برنامج "60 دقيقة". وكما هو معتاد للصحفيين ذوي المناصب الرفيعة، فقد ضحى بحياته الشخصية مرارًا من أجل مسيرته المهنية.

في مذكرته، استحضر أوينز ذكرى عندما "كان ابني يبلغ ستة أشهر من العمر، وكانت زوجتي حاملًا بابنتي، وكانت والدتي في غيبوبة، بينما قضيت خمسة أسابيع في ساحات المعارك في العراق مع سكوت". وأضاف: "كانت أولوياتي دائمًا واضحة تجاه برنامج 60 دقيقة. ربما لم تكن ذكية، لكنها كانت واضحة".

من خلال إبراز التكاليف الشخصية التي تكبدها في بداية رسالته، أراد أوينز أن يوضح أن استقالته ليست مجرد خطوة مهنية عادية، بل هي تضحية رمزية تهدف إلى لفت انتباه رؤسائه وفضح خطأ جسيم. لقد ضحى أوينز بمسيرته المهنية لتوصيل رسالة.

اتهامات بالرضوخ لترامب والتخلي عن المبادئ الصحفية

اعتقد أوينز أن "60 دقيقة" تخلى عن المبادئ الأساسية للصحافة عبر الرضوخ لدونالد ترامب. فقد كان البرنامج تحت نيران انتقادات ترامب منذ أشهر، حيث اتهمه الأخير ببث مقابلة محرّفة عمدًا في أكتوبر الماضي، وأقام دعوى قضائية بقيمة 10 مليارات دولار ضد البرنامج بدعوى الأضرار.

في العادة، كان من المتوقع أن يتم التعامل مع مثل هذه الدعاوى بوصفها قضايا عبثية. لكن شبكة CBS، المملوكة لشركة باراماونت، كانت حريصة على استرضاء الرئيس السابق.

وكما أفادت صحيفة نيويورك تايمز، فإن المساهم الرئيسي في باراماونت، شاري ريدستون، كانت تتطلع للحصول على موافقة إدارة ترامب على صفقة بيع شركتها بمليارات الدولارات لشركة سكاي دانس، التي يديرها نجل الملياردير التكنولوجي لاري إليسون. وأشارت الصحيفة إلى أن ريدستون أبدت رغبتها في تسوية قضية ترامب.

على الرغم من أن خبراء قانونيين وصفوا هذه القضية بأنها لا أساس لها وبعيدة الاحتمال، إلا أن العديد من الصحفيين في CBS News ــ والتي كانت سابقًا موطن أساطير الصحافة مثل والتر كرونكايت ومايك والاس ــ رأوا أن تسوية القضية ستكون بمثابة استسلام مخزٍ لترامب، بناءً على انتقاداته المعتادة للأحكام التحريرية.

ترامب يستخدم سلطته لمعاقبة وسائل الإعلام

كان لترامب قدرة ملحوظة على معاقبة CBS. وكما ذكرت شبكة CNN، "دعا ترامب مرارًا إلى سحب ترخيص الشبكة وحث لجنة الاتصالات الفيدرالية على معاقبتها". وفي نهاية المطاف، سلّم برنامج "60 دقيقة" النص الكامل ومقطع الفيديو الخاص بالمقابلة المتنازع عليها إلى اللجنة، وتم الاتفاق هذا الشهر على تعيين وسيط لحل القضية بين ترامب وباراماونت.

ووفقًا لتقرير CNN، فإن استقالة أوينز "تمنح ترامب انتصارًا آخر ضد الشبكة الإعلامية". لكن السؤال المطروح هو: هل يعد هذا انتصارًا حقيقيًا لترامب أم انتصارًا باهظ التكلفة؟ ذلك أن أوينز كان يأمل بوضوح أن تضحيته ستثير رد فعل وتلهم الصحفيين للدفاع عن نزاهة مهنتهم. رغم أن تضحيته كانت أخلاقية ومثالية، فإن فعاليتها تبقى موضع شك.

لقد صاغ أوينز استقالته بعناية لإحراج رؤسائه وتحفيز الصحفيين في "60 دقيقة" وفي أماكن أخرى. وقال أحد موظفي CBS لشبكة CNN ــ بشرط عدم الكشف عن هويته ــ إن أوينز "ضحى بنفسه على أمل أن يدرك رؤساؤنا أنهم يخاطرون بتدمير ما يجعل من '60 دقيقة' برنامجًا عظيمًا".

ضغوط مزدوجة من ترامب وداعمي إسرائيل

في هذه الحالة، يأتي تهديد الاستقلالية الصحفية ليس فقط من ترامب، بل أيضًا من القوى الاقتصادية الداعمة له. وكما ذكرت نيويورك تايمز، "اعترضت ريدستون في يناير على تقرير لبرنامج '60 دقيقة' حول الحرب بين إسرائيل وحماس، وبعد يوم واحد، قامت الشركة بتعيين المنتجة المخضرمة سوزان زيرينسكي في منصب جديد للإشراف على معايير الصحافة بالشبكة".

يمثل هذا التطور نموذجًا آخر لتقاطع الرغبة في حماية إسرائيل من الانتقادات مع الخضوع لنزعات ترامب الاستبدادية، وهو أمر يشبه الحملة القمعية ضد الاحتجاجات الجامعية، حيث تعاون مسؤولو الجامعات مع إدارة ترامب لقمع أصوات المعارضة.

سواء في الجامعات أو الإعلام، فإن التفاوت الاقتصادي السائد يجعل من السهل على طموحات ترامب السلطوية أن تجد أرضية خصبة. فالجامعات تعتمد على كبار المانحين الذين يتشاركون مع ترامب كثيرًا من قناعاته السياسية، والأمر نفسه ينطبق على المؤسسات الإعلامية الكبرى.

حتى عندما يختلف قادة هذه المؤسسات مع ترامب سياسيًا، فإن مصالحهم الاقتصادية تجعلهم عرضة للابتزاز من قبل إدارة معادية. وهذا يفسر، على سبيل المثال، لماذا منع ملاك صحف مثل "واشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز" صدور تأييد رسمي لكامالا هاريس في الانتخابات.

الصحافة تحت التهديد: فصل صحفي لتجنب غضب ترامب

في تطور ذي صلة، أفاد موقع "سيمفور" يوم الإثنين أن شركة نيكستار الإعلامية فصلت الصحفي أولافيميهان أوشين، الذي كان يعمل لدى صحيفة "ذا هيل"، كجزء من محاولة لتجنب دعوى قضائية محتملة من ترامب.

كان أوشين قد نشر مقالة جمعت تقارير إخبارية أخرى لكنه ارتكب خطأً بسيطًا حين أورد أن شركة "تروث سوشيال"، التابعة لترامب، خسرت 73 مليون دولار، بينما كانت الخسارة الحقيقية 30 مليون دولار. عادة ما يتم تصحيح مثل هذا الخطأ دون أية تبعات قانونية خطيرة، لكن مصادر ذكرت أن نيكستار كانت "حريصة على تفادي غضب ترامب" ووافقت على فصل الصحفي مقابل إسقاط القضية، رغم نفي المتحدث باسم الشركة ذلك.

استسلام الإعلام للشركات... ومستقبل قاتم للصحافة الحرة

تتجمع هذه القصص معًا لتشكل نمطًا واضحًا: الإعلام المؤسسي ينحني أمام ترامب. ومن المؤسف أن أوينز قد يكون قد ضحى بمسيرته عبثًا. ورغم أن هناك أملًا في أن تثير تضحيته مقاومة في غرف الأخبار، إلا أن الخضوع المتزايد لمالكي وسائل الإعلام قد يتعمق أكثر.

إذا استمر هذا الاتجاه، فسيكون من الحكمة للأمريكيين أن يتوقفوا عن متابعة "60 دقيقة" وغيرها من المنصات التقليدية، وأن يتجهوا بدلًا من ذلك إلى وسائل الإعلام البديلة مثل "ديموكراسي ناو!" و"ذا ليفر" و"جاكوبين" وبالطبع "ذا نيشن"، التي تقدم تغطية أكثر نزاهة وتوازنًا.

المصادر

The Nation

التعليقات (0)