-
℃ 11 تركيا
-
10 يونيو 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: منع زيارة وزراء عرب لرام الله: صفعة إسرائيلية مزدوجة للسلطة والشرعية العربية
رسالة سياسية متعمدة
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: منع زيارة وزراء عرب لرام الله: صفعة إسرائيلية مزدوجة للسلطة والشرعية العربية
-
1 يونيو 2025, 1:15:07 م
-
422
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
لم يكن منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول ستة وزراء عرب إلى مدينة رام الله مجرد إجراء أمني أو "سوء تنسيق"، بل شكّل رسالة سياسية متعمدة تحمل في طياتها إهانة مدوية للسلطة الفلسطينية واستهانة فجة بالحضور العربي الرسمي في الشأن الفلسطيني ،
واللافت أن هذه الإهانة لم تأت من دولة هامشية أو قوة صاعدة، بل من كيان احتلالي يعيش على شفير مواجهة إقليمية ويغرق في حرب مفتوحة على غزة، لكنه لا يزال يملك الجرأة الكاملة لإملاء قواعده على الجميع، حتى على من يُفترض أنهم "حلفاء الاعتدال" أو الوسطاء المحتملون في مسارات التسوية المجمدة.
الحدث في ظاهره بسيط: وزراء عرب قادمون في وفد رسمي لزيارة رام الله ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن "إسرائيل" تمنع دخولهم، إلا أن ما يحدث في الظاهر ليس سوى قشرة تخفي تحتها دلالات بالغة الخطورة .
أولها أن "السلطة" التي يُفترض أنها تتمتع بسيطرة على في بعض مناطق الضفة الغربية ، لا تملك حتى حق استضافة وفد رسمي عربي على أرضها من دون إذن إسرائيلي، ما يضع كل ادعاءات السيادة تحت المجهر، ويؤكد مجددًا أن مشروع أوسلو قد مات منذ زمن طويل، وأن من بقي على قيد الحياة هو الاحتلال في نسخته الإدارية والأمنية المتخفية.
الدلالة الثانية تتعلق بإسرائيل نفسها، التي أرادت على ما يبدو أن توجه صفعة مزدوجة: واحدة للسلطة الفلسطينية عبر إذلال رأسها السياسي أمام ضيوفه العرب، وأخرى للدول العربية ذاتها، التي بات بعضها في خانة التطبيع العلني، فيما يراوح البعض الآخر في دائرة التنسيق والصمت والرهان على "علاقات استراتيجية" مع تل أبيب، في الحالتين،
أرادت إسرائيل أن تقول إنها الطرف الوحيد الذي يقرر من يزور ومن لا يزور، من يدخل الأراضي الفلسطينية ومن يُمنع، وأنها لن تتعامل مع العرب كأنداد أو حتى شركاء، بل كمجرد أدوات وظيفية يُستدعى بعضها حين الحاجة ويُهان بعضها الآخر حين يخرج عن النص المرسوم.
إن المسألة هنا تتجاوز الإجراء التقني أو التصرف البروتوكولي، لتكشف بعمق حجم الهشاشة السياسية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، باعتبارها كيانًا فاقدًا للقدرة على التحكم بحدوده أو مساحته أو حتى رمزيته، تمامًا كما تفضح الضعف المريع في الرد العربي، حيث لم يصدر موقف موحد، ولا حتى تنديد جاد، وكأن الحدث لا يعني أحدًا أو لا يستحق أن يُعتبر مساسًا بالكرامة السيادية لأي دولة.
والمفارقة أن هذه الإهانة الإسرائيلية تأتي في توقيت بالغ الحساسية، في ظل عدوان مستمر على غزة ومجازر تُرتكب أمام أعين العالم ، وفي لحظة تحتاج فيها القضية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى إلى غطاء عربي يعيد لها بعض عمقها القومي، لكن ما حدث هو العكس: السلطة تبدو عارية من أي قدرة على الفعل،والأنظمة العربية تُمتحن في صمتها، وإسرائيل تمضي في فرض شروطها بلا أي كوابح، في مشهد يعكس اختلالًا رهيبًا في ميزان القوة والإرادة.
إن ما جرى من منع الاحتلال لوزراء عرب من دخول رام الله لا يجب أن يُفهم بوصفه حادثًا معزولًا أو خطأً دبلوماسيًا، بل هو تجسيد فجّ لحقيقة الصراع وحدوده القائمة،
حيث لم تعد "إسرائيل" ترى في أحد، لا في السلطة الفلسطينية ولا في الأنظمة العربية، طرفًا يُحسب له الحساب أو يُراعى في الشكل على الأقل، إنها صفعة متعمدة للقيادة الفلسطينية التي تُستدعى حين الحاجة وتُهان عند اللزوم، وصفعة أخرى للأنظمة العربية التي تراكم أوهامًا عن سلام لا يمنح حتى الحد الأدنى من الكرامة، وفي لحظة كهذه، تتضح الحاجة الماسة لإعادة تعريف العلاقة مع الاحتلال، ليس فقط من قبل الفلسطينيين الذين يدفعون الثمن مباشرة، بل من قبل العرب جميعًا، الذين بات صمتهم يُترجم إذعانًا، وترددهم يُفهم قبولًا، في معادلة تصنعها إسرائيل وحدها وتفرض شروطها على الجميع بلا خجل ولا تردد.







