-
℃ 11 تركيا
-
8 أغسطس 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: أحياء في القيد..أموات في ضمير العالم: الأسرى الفلسطينيون تحت سوط النسيان
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: أحياء في القيد..أموات في ضمير العالم: الأسرى الفلسطينيون تحت سوط النسيان
-
8 أغسطس 2025, 10:45:39 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الزنازين الباردة، خلف جدران الصمت، يعيش أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، أجسادهم تنهكها الجراح، وأرواحهم تنزف يوميًا تحت التعذيب والتجويع والإذلال، لا كاميرات ترصد معاناتهم، لا منابر عالمية تصرخ من أجلهم، لا أحد يهتم، وكأنهم ليسوا بشرا، وكأن آهاتهم لا تستحق العبور إلى مسامع العالم، يموتون ببطء، بصمت، تحت سياط الجلاد، بينما يسهر العالم ليل نهار على أحوال خمسين أسيرًا إسرائيليًا في غزة، بين أحياء وأموات، شغلوا الكوكب من أقصاه إلى أقصاه، تصدّرت صورهم شاشات العالم، علت أصوات الساسة، تحركت الجيوش، وأعلنت الحروب، قُصفت غزة حتى الرماد، قُتل من أجلهم آلاف الأطفال والنساء، جاع شعب بأكمله وشُرّد، كل ذلك لأجل أسير إسرائيلي واحد، أما الأسير الفلسطيني فحتى اسمه محرم على الشفاه، حتى صورته غائبة من الذاكرة، حتى صرخته تختنق في الزنزانة، ما هذا العالم الذي لا يرى إلا بعين واحدة، ما هذه الإنسانية التي توزّع تعاطفها على أساس الهوية، ما هذا الصمت العربي الذي لا يسمع أنين أبطاله وهم يموتون واقفين.
في كل سجن حكاية، في كل زنزانة مأساة، في كل أسير رواية بطولة يصرّ الاحتلال على محوها، لأنهم يشكلون الخطر الحقيقي على مشروعه، لأنهم من تبقى من جيل لم ينكسر، لأنهم يمثّلون المعنى الحي للمقاومة، لذلك يُتركون ليموتوا في صمت، بينما تنصب المنابر من أجل أسرى الاحتلال، ويُشن العدوان باسم استردادهم، كم من فارس داخل القضبان يواجه الموت اليومي، كم من أم تبكي نجلها المغيّب منذ سنوات، كم من طفل لم يعرف والده إلا من خلف القضبان.
إن قضية الأسرى الفلسطينيين ليست مجرد ملف حقوقي، إنها مرآة أخلاقية لهذا العالم، من خلالها يُقاس العدل وتُكشف ازدواجية المعايير، ومن خلالها تُفضَح الأنظمة التي باعت نفسها للجلاد، الأنظمة التي تصمت حين يُسحَب الأسير الفلسطيني إلى العزل الانفرادي، لكنها تستنفر حين يُحتجز جندي إسرائيلي في أرض فلسطينية محتلة، هل نحتاج إلى أن يموتوا جميعًا حتى يُفتح لهم الهواء؟ هل نحتاج إلى محرقة جديدة حتى ينتبه أحد لوجعهم؟ ألا يكفيهم أنهم يسقطون كل يوم دون ضجيج؟
سيأتي يوم، وحين يسقط الجدار الأخير، حينها سيتحدث التاريخ عن أسرى لا كأرقام بل كأيقونات للحرية، وسيُسأل الجميع: أين كنتم حين مات الأحرار بصمت؟







