واشنطن تدرس إلغاء إعفاءات تصدير الرقائق للصين: توتر تجاري يلوح في الأفق

profile
  • clock 25 يونيو 2025, 8:49:13 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

أبلغ مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية عدداً من كبار مصنّعي أشباه الموصلات في العالم عزمه على إنهاء الإعفاءات الخاصة التي تسمح لهم باستخدام التكنولوجيا الأمريكية داخل الصين، في خطوة من شأنها أن تُشعل التوترات التجارية مجدداً بين واشنطن وبكين.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن جيفري كيسلر، المسؤول عن وحدة ضوابط التصدير في وزارة التجارة الأمريكية، أبلغ هذا الأسبوع شركات "سامسونغ إلكترونيكس" و"إس كيه هاينكس" الكوريتين، إلى جانب "شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات" (TSMC)، برغبة الإدارة في إلغاء تلك الإعفاءات. هذه الإعفاءات كانت تتيح لتلك الشركات شحن معدات تصنيع رقائق أمريكية إلى مصانعها في الصين دون الحاجة إلى استخراج تراخيص فردية لكل شحنة.

وقال كيسلر، وفقاً لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن مشاركين في الاجتماعات، إن هذه الخطوة تأتي ضمن حملة أوسع تقودها إدارة الرئيس دونالد ترامب للحد من وصول الصين إلى التكنولوجيا الأمريكية الحساسة.

اتفاق هش على المحك

وفي حال تنفيذ القرار، فقد يكون له تداعيات دبلوماسية واقتصادية عميقة. ففي وقت سابق من يونيو الجاري، توصلت الولايات المتحدة والصين إلى هدنة تجارية هشة خلال لقاء في لندن، تضمن تعهداً متبادلاً بعدم فرض قيود تصديرية جديدة أو اتخاذ تدابير تضر بالطرف الآخر.

غير أن مسؤولين في البيت الأبيض سارعوا للتأكيد على أن الخطوة المقترحة ليست تصعيداً جديداً، بل تهدف إلى توحيد نظام التراخيص ليكون مشابهاً للإجراءات الصينية على صادراتها من المواد الأرضية. وأضافوا أن المفاوضات بشأن التجارة مع بكين لا تزال مستمرة وأن التقدم في تنفيذ اتفاق لندن قائم.

شكوك وردود دولية

ورغم تطمينات واشنطن، يخشى مراقبون من أن تعتبر الصين أي تحرك جديد تجاه تقليص نشاط الشركات الأجنبية داخلها خرقاً مباشراً لاتفاق لندن، ما قد يُعيد التوتر إلى الواجهة. كما أن الإجراء قد يزعزع العلاقات مع كوريا الجنوبية وتايوان، الحليفين المقربين للولايات المتحدة، واللذين التزمت شركاتهما بضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات الماضية.

وتُعدّ مصانع مثل مصنع "سامسونغ" لرقائق الذاكرة في مدينة شيآن الصينية جزءاً محورياً من سلاسل التوريد العالمية، وتوفر شرائح تُستخدم في مجالات متنوعة تشمل السيارات والإلكترونيات الاستهلاكية. وعلى الرغم من أنها لا تضم أحدث التقنيات، فإن إنتاجها يلعب دوراً حيوياً في الاقتصاد التقني العالمي.

آثار بعيدة المدى

يرى مسؤولون في قطاع الصناعة أن القيود الجديدة لن تُغلق هذه المصانع على الفور، لكنها قد تعيق كفاءتها التشغيلية بمرور الوقت، ما قد يؤدي إلى اضطراب واسع في سوق أشباه الموصلات العالمية. ويأتي هذا في وقت تواجه فيه الشركات تحديات إضافية جراء الحرب التجارية، بما في ذلك قيود فرضتها بكين على صادرات المعادن النادرة.

ويتوقع أن تضطر الشركات المتضررة للتقدم بطلبات ترخيص فردية لكل شحنة إلى مصانعها في الصين، في الوقت الذي ستسعى فيه إلى تقليل الاعتماد على المعدات الأمريكية عبر استبدالها ببدائل من اليابان وأوروبا.

قرار لم يُحسم بعد

ورغم اللهجة المتشددة، تشير المصادر إلى أن القرار النهائي بشأن إلغاء الإعفاءات لم يُتخذ بعد، إذ لم يحصل مكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة على موافقة جميع الجهات الحكومية المعنية، مثل وزارة الدفاع.

وتعترض بعض الأصوات داخل الإدارة على المقترح، معتبرة أن تشديد القيود قد يؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها تمكين الشركات الصينية من السيطرة على هذه المصانع، وتعزيز نفوذ بكين الصناعي على المدى الطويل.

ويُعرف عن كيسلر، إلى جانب عدد من صقور الأمن القومي في الإدارة، تبنيه موقفاً صارماً تجاه ضرورة فصل الصين عن التكنولوجيا الأمريكية، والدفع نحو إنشاء سلاسل توريد بديلة خارج الأراضي الصينية، وهو ما يضعهم في مواجهة مع مسؤولي الإدارة الداعمين لعلاقات تجارية مرنة مع الخارج.

ضغوط متبادلة ومخاوف تجارية

وكانت واشنطن قد فرضت مؤخراً قيوداً جديدة على تصدير الرقائق المتطورة إلى الصين، ما أثر سلباً على إيرادات شركات أمريكية كبرى مثل "إنفيديا" و"أدفانسد مايكرو ديفايسز"، وأدى إلى خسائر بمليارات الدولارات.

كما ناقشت وزارة التجارة في وقت سابق فرض قيود أوسع على صادرات معدات تصنيع أشباه الموصلات، إلا أن مسؤولاً في البيت الأبيض قال إن هذه الخطة لم تعد مطروحة للنقاش حالياً.

في الوقت نفسه، أبلغت الشركات الكورية والتايوانية حكوماتها بتفاصيل المشاورات مع كيسلر، سعياً منها لحشد الدعم الرسمي من أجل الضغط على واشنطن لثنيها عن تنفيذ القرار.

رهانات جيوسياسية وصناعية

تأتي هذه التطورات بينما تجري كل من كوريا الجنوبية وتايوان مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقيات تجارية أوسع، ضمن سلسلة من الصفقات التي تأمل إدارة ترمب إبرامها خلال الأسابيع المقبلة.

وترى الشركات المتأثرة أن استمرار عمل مصانعها في الصين ضروري للحفاظ على قدرتها التنافسية أمام نظرائها الصينيين، الذين يطمحون إلى التوسع عالمياً كموردي رقائق رئيسيين.

وسمح الإعفاء الحالي لشركة "سامسونغ" على سبيل المثال، بالإبقاء على خطوط إنتاج متقدمة في مصنعها بمدينة شيآن، تنافس فيها مباشرة شركة "يانجتسي ميموري تكنولوجيز" الصينية.

دعم سابق من واشنطن

اللافت أن شركات مثل "سامسونغ"، و"تي إس إم سي"، و"إس كيه هاينكس"، كانت قد تعاونت مع الولايات المتحدة في جهودها لتقييد نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، واستثمرت في المقابل مليارات الدولارات لإنشاء مصانع في الأراضي الأمريكية بدعم من واشنطن، في خطوة تعكس مدى الترابط بين المصالح التقنية والصناعية للدول الثلاث.

لكن مع تصاعد حدة السياسات الحمائية وتضارب الأولويات بين الأمن القومي والمصالح التجارية، يبدو أن تحالف الرقائق بين واشنطن وشركائها الآسيويين يواجه اختباراً صعباً في المرحلة المقبلة.

التعليقات (0)