ليلى سويف والأمعاء الخاوية: أمّ تحتضر لإنقاذ ابنها.. وسلطة تصمّ أذنيها

profile
  • clock 31 مايو 2025, 2:37:10 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الدكتورة ليلى سويف ترقد في المستشفى (يمين) وصورة أخرى مع نجلها المعتقل رغم انتهاء فترة حبسه الناشط علاء الفتاح

كتب: عبدالرحمن كمال

في غرفة صغيرة بمستشفى سانت توماس في لندن، ترقد أستاذة الرياضيات المصرية ليلى سويف، جسدها ناحل، وسكر دمها أقرب إلى العدم. لا تتناول شيئًا سوى جرعات من الوعي والكرامة، وحرارة أم لا تعرف الاستسلام. إنها في إضراب عن الطعام منذ أكثر من 240 يومًا، وجسدها المرهق يوشك أن يستسلم. لكن ما تطلبه بسيط: أن تلتزم الدولة بالقانون، وأن يُفرج عن ابنها علاء عبد الفتاح، الذي انتهت مدة حبسه منذ شهور.

علاء: سنوات السجن من أجل الكلمة

علاء عبد الفتاح، المدون والناشط السياسي البريطاني-المصري، دخل السجن لأول مرة منذ ما يقارب العقدين، وكان دائمًا عنوانًا للصوت الحر في مصر، ورمزًا لمطالب الكرامة والعدالة. في ديسمبر 2021، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة "نشر أخبار كاذبة" — وهو حكم أدانته الأمم المتحدة باعتباره خرقًا للقانون الدولي.

لكن الحكم انتهى في 29 سبتمبر 2024. وعلاء لم يخرج. ثمانية أشهر مضت على انتهاء عقوبته، وهو لا يزال في السجن، بلا تهمة، وبلا محاكمة، وبلا أفق.

أم تخوض معركة الأمعاء الخاوية

في اليوم التالي لموعد الإفراج المفترض، 30 سبتمبر 2024، أعلنت ليلى سويف إضرابها الجزئي عن الطعام. وفي 19 مايو 2025، بعد شهور من الانتظار والصمت الرسمي، قررت أن تنتقل إلى الإضراب الكلي. دخلت في مواجهة جسدية مع الموت.

رسائل ابنتها منى سيف على فيسبوك، تنقل تفاصيل الليل والنهار المربك في المستشفى: يقيسون سكر الدم، يراقبون تنفسها، يربّتون على كتفها ليتأكدوا أنها لا تزال بين الحياة والموت. في لحظة تسند رأسها استجابة للمسة، فيطمئنون أنها لم تغب عن الوعي. وفي لحظة يهمسون باسمها، فترد وهي بين النوم واليقظة، فيتنفس الجميع الصعداء.

 

لكن سكر دمها وصل إلى 0.6 mmol/L (أي 11 mg/dL) — رقم لا يبقي إنسانًا واعيًا. جسدها يحترق من الداخل بحثًا عن ذرة طاقة. وعيها صامد، لكن الأطباء يحذّرون من موت مفاجئ في أي لحظة.

كلمة في وجه الإبادة

في كلمتها المسجلة لمؤتمر "رايتس كون" في فبراير الماضي، قالت ليلى بصوت ضعيف، لكنها واثقة:

"النهارده بعد غزة، حاسة إننا كلنا اتهزمنا، عشان شوفنا إبادة جماعية وكنا عاجزين عن إننا نوقّفها. بصفتي أمّ علاء، بشكركم على التضامن، وبطلب منكم متيأسوش لحد ما علاء يخرج من السجن. وبصفتي رفيقة درب، وأيامي يمكن تكون معدودة، بحثّكم متخلّوش هزيمتنا تبقى دائمة."

كلماتها كانت صرخة صادقة من أم، ووصية من مناضلة ترى العالم يخذل المظلومين، لكنها لا تزال تؤمن بقوة التضامن.

مناشدات تتساقط أمام جدار الصمت

وسط هذا الألم، لم تتوقف المحاولات الإنسانية والقانونية لإطلاق سراح علاء. المحامية ماهينور المصري كشفت أن طلبًا جديدًا للإفراج أو العفو عن علاء قُدم إلى قصر عابدين،، لكنه قوبل في البداية بالرفض بحجة أن الموقّعين "بلا صفة"، ثم قُبل بدون أن يُمنح رقم تسجيل — في دلالة واضحة على تسويف متعمد.

عشرات النشطاء من مصر وخارجها وقّعوا على بيان يدعو الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الإفراج عن علاء، مشيرين إلى أن الدولة القوية ليست التي تحتجز أصحاب الرأي، بل تلك التي تنصت لأمهاتهم.

"إن إنقاذ حياة مواطن، واستعادة إنسانيته، هو فعل وطني بامتياز، ورسالة قوة لا ضعف."

لكن الرسالة لم تجد من يقرأها.

 

ليلى… شبح بين الحياة والموت

في خطاب مؤلم كتبه طبيبها بتاريخ 30 مايو، شرح أن جسدها دخل مرحلة الخطر الأقصى:

"دمها مليء بالكيتونات، لا توجد أي مخزونات سكر في جسدها، وهي تعاني من اختلالات في التوازن الحامضي تهدد أعضاءها الحيوية. أي تراجع بسيط في معدلات السكر يمكن أن يؤدي إلى فقدان وعي مفاجئ أو موت."

ورغم ذلك، ترفض ليلى تلقي أي علاج يمنحها سعرات حرارية. ليست محاولة انتحار، بل مقاومة صامتة ضد سلطة لا تستجيب إلا تحت الضغط.

 

عندما تصبح الأمّ قضية وطن

ليلى ليست فقط أمًّا تناضل من أجل ابنها. إنها صوت آلاف الأمهات المصريات اللواتي سُحقت أحلام أولادهن خلف القضبان. هي نموذج للكرامة، للأمومة التي تتجاوز الغريزة لتصبح فعل مقاومة سياسي.

وعلاء لم يعد مجرد فرد مسجون، بل أصبح رمزًا للحق الأسير، وللدولة التي لا تحترم قوانينها، ولا تصغي لمناشدات شعبها.

رسالة أخيرة: هل من قلب في السلطة؟

“نتمنى حد يبقي عنده الشجاعة و يخلص المأساة دي.”

هكذا ختمت ماهينور المصري منشورها على فيسبوك، وهو ما يختصر كل شيء. الشجاعة. ليست الشجاعة في السلاح، ولا في القمع، بل في العدل.

الوقت ينفد. جسد ليلى يُستنزف. وعلاء لا يزال خلف القضبان.

هل تتحرك الدولة قبل أن تنطفئ شمعة أخيرة في هذا الليل الطويل؟

التعليقات (0)