-
℃ 11 تركيا
-
14 يونيو 2025
"لصالح الأجيال القادمة".. أول بيان من "المالية المصرية" بعد تخصيص 174 مليون متر لخفض الديون
"لصالح الأجيال القادمة".. أول بيان من "المالية المصرية" بعد تخصيص 174 مليون متر لخفض الديون
-
12 يونيو 2025, 10:11:37 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
أصدرت وزارة المالية المصرية بيانًا رسميًا أكدت فيه أن قرار تخصيص قطعة الأرض الممتدة على مساحة 174 مليون متر مربع بمحافظة البحر الأحمر، يهدف إلى استخدامها كضمانة لإصدار صكوك سيادية تساهم في خفض الدين العام للدولة، وليس إلى بيعها أو التنازل عنها. وأوضحت الوزارة أن الأرض ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية، ممثلة في وزارة المالية وبعض الجهات الحكومية ذات النشاط الاقتصادي، مشددة على أن استخدام الأرض سيتم في إطار تطويرها عبر شراكات مع كيانات مالية واقتصادية تابعة للدولة، دون أي نقل للملكية إلى جهات أخرى.
وأشارت الوزارة إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار جهودها لاستخدام الأصول العامة بشكل فعّال لخفض المديونية العامة، وتحقيق أفضل استغلال ممكن للأراضي الحكومية، من خلال إدخالها في مشروعات استثمارية مشتركة تسهم في توليد عوائد اقتصادية مستمرة. كما أوضحت أن جزءًا من المديونية القائمة على أجهزة الموازنة العامة سيتم استبداله بهذه الصكوك، في إطار صفقات متكاملة تتيح خفض عبء خدمة الدين، وتحويل الأرض إلى مشروعات إنتاجية وسياحية وعقارية تحقق عائدًا مستدامًا للدولة وتوفر فرص عمل إضافية.
أهداف اقتصادية واجتماعية متكاملة
وأضاف بيان وزارة المالية أن هذه الإجراءات تأتي في سياق خطة متكاملة لتحسين أوضاع المالية العامة، وزيادة كفاءة استخدام الموارد والأصول، وخفض تكلفة التمويل، وخلق حيز مالي يمكن من خلاله التوسع في الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، وزيادة المخصصات الموجهة إلى التنمية البشرية، خصوصًا في قطاعات الصحة والتعليم.
وذكر بيان وزارة المالية: “أننا نستهدف العمل على استخدام جزء من الأرض لتحقيق أفضل تنمية للدولة من خلال الدخول فى بعض الصفقات والشراكات مع بعض جهات الدولة التى تعمل فى القطاع المالى، وبعض الهيئات الاقتصادية، لاستبدال جزء من المديونية القائمة على أجهزة الموازنة لدى تلك الجهات الحكومية مقابل الدخول فى استثمارات مشتركة، بما يسهم أولًا فى خفض مديونية أجهزة الموازنة، وكذلك فاتورة وأعباء خدمة الدين، إضافة إلى المساهمة فى تطوير تلك الأراضى، وتحويلها إلى مشروعات إنتاجية وخدمية وسياحية وعقارية؛ بما يحقق عائدًا اقتصاديًا جيدًا ومستمرًا ودائمًا للدولة لصالح الأجيال القادمة، وتوفير فرص عمل إضافية لشبابنا”.
الوزارة أكدت أيضًا أن الصكوك المزمع إصدارها ستكون وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وستُربط بأصول حقيقية، وهو ما يجعل تخصيص الأرض جزءًا أساسيًا من هيكل التمويل، بالنظر إلى أن إصدار الصكوك يقتضي وجود ضمانات مادية بخلاف السندات التقليدية. وأوضحت أن الحكومة ستستخدم صيغة "صكوك الإجارة" التي سبق أن اعتمدتها في إصدارها الأول في عام 2023، باعتبارها من أكثر الصيغ مرونة وسهولة في التطبيق.
تخصيص الأرض ضمن خطة صكوك واسعة
وكان تقرير منشور مؤخرًا قد كشف أن قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رقم 303 لسنة 2025، والذي نُشر في الجريدة الرسمية، ينص على تخصيص 174 مليون متر مربع من أراضي الدولة في محافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لاستخدامها في إصدار صكوك سيادية وخفض الدين العام. وتزامن القرار مع تأكيدات من مصادر حكومية بأن مصر تعتزم إصدار صكوك سيادية بقيمة تصل إلى 25 مليار جنيه في السوق المحلية على شرائح تبدأ في الربع الثالث من العام الجاري.
وبحسب تلك المصادر، فإن الشريحة الأولى من الصكوك ستكون بقيمة محدودة لاختبار شهية المستثمرين، على أن تتبعها شرائح أخرى لاحقًا، مع التركيز على صكوك الإجارة القائمة على تأجير أصول حكومية بحق الانتفاع. كما كشف التقرير أن مصر تخطط لإصدار صكوك دولية بقيمة مليار دولار لصالح دولة الكويت، في إطار طرح خاص تم التوصل إليه مؤخرًا مع بيت التمويل الكويتي، ويعد جزءًا من جهود مصر لتنويع مصادر التمويل والاستفادة من أدوات الدين الإسلامي.
عجز متزايد وتمويل متنوع
تأتي هذه الخطوات وسط تفاقم عجز الموازنة العامة الذي يُتوقع أن يبلغ نحو 1.5 تريليون جنيه (30 مليار دولار) في السنة المالية 2025-2026، غير شاملة أقساط الديون التي تتجاوز هذا الرقم، بحسب بيانات وزارة المالية. وتُظهر الأرقام الرسمية أن الدين العام في مصر مرشح لبلوغ 16.4 تريليون جنيه (332 مليار دولار)، مع ارتفاع فاتورة خدمة الدين إلى أكثر من 70% من الإيرادات العامة، أو نحو 47.4% من إجمالي الإنفاق.
وفي مواجهة هذه الأرقام، رفعت الحكومة احتياجاتها التمويلية في الموازنة الجديدة إلى نحو 3.6 تريليون جنيه، مع نية طرح أدوات دين محلية تشمل أذون وسندات خزانة بقيمة 3.57 تريليون جنيه، بزيادة 25% عن الموازنة الحالية. وتخطط وزارة المالية لموازنة آجال الصكوك بين قصيرة (3 سنوات)، ومتوسطة (5–7 سنوات)، وطويلة الأجل (حتى 10 سنوات)، في محاولة لخفض كلفة التمويل وجذب شرائح أوسع من المستثمرين.
طروحات دولية ومحاذير سقف الدين الخارجي
على الصعيد الدولي، تستعد الحكومة المصرية كذلك لإصدار صكوك دولية عامة مطلع السنة المالية الجديدة، بعد تأجيلها من الربع الحالي، مع التزام رسمي بعدم تجاوز سقف 4 مليارات دولار من الإصدارات الخارجية خلال العام المالي الحالي، حسب تصريحات سابقة لنائب وزير المالية أحمد كجوك خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. وكانت مصر قد أصدرت أول صكوكها السيادية في مارس 2023 بقيمة 1.5 مليار دولار، وجذبت طلبات اكتتاب تجاوزت 6.1 مليار دولار، أي ما يزيد على أربعة أضعاف قيمة الإصدار.
وقد عيّنت مصر خمسة بنوك – بينها ثلاثة خليجية – كمديرين رئيسيين للطرح الجديد، وهم "HSBC"، و"سيتي بنك"، و"بنك دبي الإسلامي"، و"بنك أبوظبي الأول"، و"مصرف أبوظبي الإسلامي"، بما يعكس استراتيجية الحكومة في توسيع قاعدة التمويل الإسلامي، واستقطاب رؤوس الأموال الخليجية عبر أدوات استثمار متوافقة مع الشريعة.
خريطة التمويل في سياق اقتصادي ضاغط
تكشف التطورات الأخيرة عن استراتيجية مصرية مزدوجة تقوم على تعظيم الاستفادة من الأصول العامة، وفي مقدمتها الأراضي الحكومية، وتوظيفها كضمانات لإصدارات صكوك محلية ودولية تهدف إلى تقليص العجز وخدمة الدين، دون اللجوء إلى البيع المباشر للأصول أو تحميل الدولة أعباء إضافية. وتطمح الحكومة من خلال هذه التحركات إلى تحقيق التوازن بين ضبط الإنفاق، وتحفيز النمو، ودعم الفئات الأكثر احتياجًا، في سياق اقتصادي يتسم بارتفاع معدلات التضخم وتزايد الضغط على العملة المحلية.
وفي ظل هذه السياسات، تبقى فعالية التنفيذ، وجاذبية الطروحات، والقدرة على إدارة الدين بكفاءة، عناصر حاسمة في تحديد مدى نجاح الحكومة المصرية في التعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية المتصاعدة.









