إسرائيل تعيد القضية إلى نقطة الصفر

فؤاد بكر يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل.. العدالة المؤجلة في مواجهة الطعون المتكررة

profile
فؤاد بكر رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
  • clock 15 مايو 2025, 8:42:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في 23 أيلول / سبتمبر 2024 ، تقدمت إسرائيل بطعن رسمي أمام المحكمة الجنائية الدولية تعترض فيه على اختصاص المحكمة بالنظر في الجرائم المرتكبة ضمن ولايتها القضائية، مستندة في ذلك إلى المادة (2)19 من نظام روما الأساسي، الإطار القانوني الناظم لعمل المحكمة . ويُشكل هذا الطعن محاولة من إسرائيل لإسقاط صلاحية المحكمة في مواصلة الإجراءات القضائية المتعلقة بها، من خلال الادعاء بأن المحكمة تفتقر إلى الولاية القانونية للنظر في القضية المطروحة.

وتجيز المادة (19(2) لأي من الأطراف المعنية الاعتراض على اختصاص المحكمة أو على مقبولية القضية، وتشمل هذه الأطراف : الشخص المتهم أو المطلوب للعدالة، الدولة التي وقعت الجريمة على إقليمها، أو الدولة التي يحمل المتهم جنسيتها . وفي هذا السياق، استندت إسرائيل إلى صفتها كدولة معنية لتقديم طعنها، محاولة بذلك تعطيل المسار القضائي في المحكمة أو على الأقل تأجيله، في خطوة تعد جزءًا من استراتيجيتها القانونية الرامية إلى الطعن في مشروعية الإجراءات القضائية الدولية ضدها.

في 21 تشرين الثاني / نوفمبر 2024 ، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية قرارها برفض الطعن المقدم من إسرائيل، وذلك في إطار المادة (19(2) وقد أكدت المحكمة في هذا القرار أنها تملك الاختصاص للنظر في القضية، رغم اعتراض إسرائيل، ما شكل تأكيدًا على صلاحياتها في متابعة الإجراءات القضائية المرتبطة بالوضع الفلسطيني. 

غير أن إسرائيل لم تكتف برفض الطعن، ففي 27 تشرين الثاني / نوفمبر 2024 ، بادرت إلى تقديم استئناف أمام دائرة الاستئناف، مستندة إلى المادة 82 (1) (أ) من نظام روما الأساسي، والتي تتيح الطعن المباشر في القرارات المتعلقة بالاختصاص أو المقبولية وفي اليوم نفسه، قدمت أيضًا طلبًا إضافيًا بموجب المادة 82(1) (د) تلتمس فيه الإذن بالاستئناف، تحسبا لاحتمال عدم قبول الطعن المباشر . وتنص المادة (182) (د) على أن الاستئناف على القرارات التمهيدية يتطلب موافقة مسبقة من المحكمة، إذا ثبت أن القرار المطعون فيه يمس بشكل جوهري بحقوق أحد الأطراف أو يؤثر في حسن سير العدالة.

في 12 كانون الأول / ديسمبر 2024، قررت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية إرجاء البت في طلب إسرائيل المقدم بموجب المادة (182) (د)، والمتعلق بطلب الإذن للاستئناف، وذلك إلى حين صدور قرار من دائرة الاستئناف بشأن الطعن المباشر الذي تقدمت به إسرائيل استنادًا إلى المادة (82(1) (أ)، وفي اليوم التالي، 13 كانون الأول / ديسمبر ، قدمت إسرائيل مذكرتها الاستئنافية رسميًا، لتؤكد بذلك سعيها القانوني نحو إلغاء قرار المحكمة الذي رفض طعنها في الاختصاص.

وفي 24 نيسان / أبريل 2025 ، أصدرت دائرة الاستئناف قرارها النهائي بقبول الاستئناف الإسرائيلي المقدم وفق المادة (82(1) (أ)، ما أدى إلى إلغاء القرار السابق الصادر بموجب المادة (19(2) والذي كان قد رفض طعن إسرائيل . ونتيجة لذلك، أعيدت القضية إلى الدائرة التمهيدية لإعادة النظر في مضمون الاعتراض على اختصاص المحكمة . وبما أن دائرة الاستئناف حسمت القضية من خلال القبول المباشر للاستئناف، فقد رأت أن الطلب المقدم بموجب المادة (82(1) (د) قد أصبح غير ذي موضوع، وقررت رفضه لعدم الحاجة إليه.

بصورة مبسطة، يمكن تلخيص تطورات الإجراءات القانونية بأن إسرائيل سعت إلى استبعاد المحكمة الجنائية الدولية من النظر في القضية، من خلال الطعن في اختصاصها القانوني . ورغم أن المحكمة رفضت هذا الطعن في البداية، إلا أن إسرائيل سارعت إلى استئناف القرار، وقد قبلت دائرة الاستئناف هذا الاستئناف لاحقا، مما أدى إلى إلغاء القرار الأصلي وإعادة القضية إلى الدائرة التمهيدية ، وبالتالي، فإن المحكمة لم تتخل عن القضية، بل ستعيد النظر في مسألة الاختصاص من جديد، استنادًا إلى مضمون الاعتراض الذي قدمته إسرائيل، ضمن إطار قانوني يعكس استمرار المسار القضائي دون حسم نهائي حتى الآن.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)