غزة تنتظر عيدًا لا يسبقه قصف ولا يليه حصار

غزة في عيد الأضحى 2025: عيد بلا أضاحٍ في ظل الدخان والموت والجوع

profile
  • clock 5 يونيو 2025, 2:59:08 م
  • eye 456
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

محمد خميس

العيد يغيب عن غزة مجددًا: لا ضيوف ولا منابر ولا أضاحٍ

في مشهد يوجع القلب ويصعب وصفه، تغيب مظاهر عيد الأضحى عن غزة للعام الثاني على التوالي. فلا أبواب تُفتح لاستقبال الضيوف، ولا منابر يُؤم فيها المصلون، ولا أسواق تعجّ بصيحات باعة الأضاحي أو ضحكات الأطفال.
ما يملأ الأجواء فقط هو دخان كثيف يعلو كالكفن، وقلوبٌ تخفق لا من برد الشتاء، بل من نار صيفٍ مشتعلة بحرب لا ترحم.

هذه هي غزة اليوم، تحتفي بعيدٍ بلا ملامح، عيد تكسّرت على عتبته تكبيرات العيد وزينة الصغار وابتسامات الجدات، بينما تستعد الخيام المهترئة لاستقبال لحظة العيد، لا فرحة فيه، بل ذكريات تحت الركام، وأحبة لن يعودوا.

دماء وجوع: رحلة الموت من أجل لقمة

ومع اشتداد الحصار، تحوّل البحث عن الطعام إلى رحلة محفوفة بالخطر. ففي الأيام الماضية، قُتل عشرات الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على طرود غذائية من مؤسسة مدعومة أميركيًا.
وقد اتهمت السلطات الفلسطينية وشهود عيان الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على المدنيين قرب مواقع توزيع المساعدات في رفح، في ثلاثة أيام متتالية.

الجيش الإسرائيلي اعترف بإطلاق "طلقات تحذيرية"، لكنه أنكر استهداف المدنيين، رغم تأكيد مصادر ميدانية أن إطلاق النار تم من مسافة نحو كيلومتر من موقع المساعدات.

وبسبب الفوضى والازدحام، أعلنت "مؤسسة غزة الإنسانية" تعليق عمليات التوزيع بشكل مؤقت، في محاولة لتنظيم وصول الحشود وضمان التنسيق مع الجيش الإسرائيلي.

عيد بلا أضاحٍ ولا أسواق ولا أطفال

وبينما يحتفل المسلمون حول العالم بأجواء العيد من أضاحٍ وملابس وزيارات عائلية، تغيب جميع هذه الطقوس عن غزة.
الأسواق إن لم تكن مدمرة فهي مغلقة، فارغة من البضائع والمشترين، وسط انهيار كامل للقدرة الشرائية، وشح في النقود، ونقص حاد في المواد الغذائية.

في غزة، لا تُعرض الأغنام للبيع، ولا تسمع أصوات التكبيرات كما اعتاد الناس، بل ترى فقط نظرات اليأس في وجوه الأهالي، وأطفالًا يبحثون عن فرحة مفقودة بين الحصار والجوع.

تحذيرات دولية من مجاعة كارثية

في ظل هذا الواقع المأساوي، حذرت منظمات إنسانية ودولية من وقوع كارثة غذائية وشيكة في غزة.
وقال ينس لاركه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا): "غزة هي المكان الأكثر جوعًا في العالم، 100% من سكانها معرضون لخطر المجاعة."

وأوضح أن دخول المساعدات لا يزال محدودًا، مشيرًا إلى أن ما يُسمح بدخوله هو "قطرة في محيط"، ووصف توزيع المساعدات في غزة بأنه "واحد من أكثر العمليات تعقيدًا في التاريخ الحديث".

وأضاف أن السكان أصبحوا يقتحمون مستودعات المساعدات بدافع "غريزة البقاء"، إذ يسعى كل فرد لإطعام أطفاله بأي وسيلة ممكنة.

أزمة ممتدة ومجاعة متراكمة

وتعود أزمة الجوع في غزة إلى ما قبل الحرب، إذ فرضت إسرائيل حصارًا جزئيًا منذ سنوات، ومع اندلاع الحرب بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023، تحوّل الحصار إلى مطبق، ومنعت إسرائيل إدخال أي إمدادات منذ مارس 2024.

وحتى بعد تخفيف الحصار مؤخرًا، لم تتمكن المساعدات المحدودة من تلبية احتياجات 2.1 مليون إنسان يعيشون في قطاع غزة، وسط ظروف معيشية مأساوية، وانعدام شامل للأمن الغذائي، حيث تشير تقارير إلى أن 63% من السكان يعانون من الجوع المزمن.

الحرب في أرقام: دمار يتجاوز الأعياد

منذ 7 أكتوبر 2023، أسفرت الحرب الإسرائيلية على غزة عن استشهاد أكثر من 55 ألف فلسطيني وإصابة مئات الآلاف، بحسب وزارة الصحة في غزة.
كما تم تسوية أحياء كاملة بالأرض، وتحولت المناطق السكنية إلى أنقاض، فيما يعيش الغزيون بلا مأوى أو ماء أو كهرباء.

هذه الحرب اندلعت إثر هجوم لحركة حماس على مستوطنات إسرائيلية، خلّف 1200 قتيل و250 مختطفًا وفق المصادر الإسرائيلية، لكن الرد الإسرائيلي قاد إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع.

غزة تنتظر عيدًا لا يسبقه قصف ولا يليه حصار

ورغم اختفاء الأضاحي وزينة العيد، فإن الأمل في غزة لا ينطفئ. فالسكان، برغم القهر، لا يزالون يحلمون بعيدٍ يحمل السلام، وهُدنة تُعيد لهم شهيقًا بلا فزع.


ويبقى السؤال المعلق في أروقة مجلس الأمن: هل ستهدي القوى الكبرى سكان غزة عيدًا لا يسبقه قصف ولا يليه جوع؟

التعليقات (0)