معاناة فلسطين تتحدى كل القيم

سميح خلف يكتب: الحيط الواطية

profile
سميح خلف كاتب ومحلل سياسي
  • clock 28 سبتمبر 2025, 2:06:39 م
  • eye 446
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

لا تستغربوا، لا تندهشوا، ولكن هي تلك الحقيقة التي تبتعد كليًا عن عالم القيم، وكل ما كتبه التراث الإنساني من فلاسفة ومؤرخين وعلوم اجتماع وفلسفة. فما يحدث للشعب الفلسطيني قد يخرجنا من كل تلك المفاهيم.
في نفس الوقت، لا يصيبكم الذعر، فالشعب الفلسطيني شعب يحمي القيم و التاريخ وعمق بعيد من الحضارة تراكمت عبر الأجيال. وإن كان قدره في هذه البقعة من الجغرافيا أن يكون هو مركز أطماع للحملات التاريخية والغزوات عبر التاريخ، ولذلك لا ترتعدوا، وليست هي أول مرة أن تتجمع فيها جيوش البعيد والقريب متجاوبة مع كل الغزوات لاحتلال تلك الأرض، وبالفهم للمتغيرات الدولية أو العالمية عبر التاريخ.

ولكن من باب العشم بالتاريخ، ووحدة التاريخ المشترك، واللغة، والديانات السماوية، وبُعد آخر هو بعد الشعوب المحبة للسلام والأمن في العالم، كان لنا ما نريد أن يكون من واجبات (أخلاقية وقومية ودينية). فالعالم يتحرك، وقد يكون البعيد قد تحرك أكثر بأميال من القريب نصرةً لمظلومية الشعب الفلسطيني الذي وقع ضحية سقوط إمبراطوريات وصعود إمبراطوريات أخرى، ولعبة رأس المال وتقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط كأحد نتائج الحرب العالمية الأولى والثانية.

بالتأكيد، لنجاح أي مشروع سياسي أو أمني أو اقتصادي، لابد من تأمين البيئة المحيطة به، وتحديد عناصر قوتها وضعفها أو السيطرة على كل من يهدد المشروع هذه (حقيقة)..

إذن، كيف نفهم ما يدور الآن وقد أصبحت القضية (في عنق الزجاجة)؟ ليس تهاونًا أو تقصيرًا من الشعب الفلسطيني في كل محطاته، وكل تياراته الوطنية العلمانية أو الإسلامية. وإن كان من يريدون إضعاف الشعب الفلسطيني كانت لهم مداخلهم لتفرقة الصف الفلسطيني تحت مغلف (الدعم) للشعب الفلسطيني، ولكن في الحقيقة كانت الأمور أقسى من ذلك، وتقسمت الفعاليات الفلسطينية وأداؤها وبرامجها بناءً على جهة الدعم أو (التمويل).

ولكن لماذا حدث هذا؟

لنأخذ مقتطفات من الرواية، وخاصة ما بعد النكبة عام 1948. قد حدث شيء مما سأذكره ما قبل 1948، ولكن كان الشعب الفلسطيني على أرضه من النهر إلى البحر ولم يسلم من العبث الخارجي من القريب والبعيد. هذا هو التاريخ.
أما ما بعد النكبة، فحدث ولا حرج من الوصاية... إلى الوصاية... إلى الوصاية. على اعتبار أن الشعب الفلسطيني في مراحل كثيرة سلم أوراقه لذوي القربى وذوي الشراكة في التاريخ. الشعب الفلسطيني كان صادقًا في كل المحطات بلا استثناء، ولا شيطنة لأي مرحلة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني، وبالمقابل كان يُنظر للشعب الفلسطيني ونكبته وتجمعاته وأماكن تواجده (بالبعد الأمني). ولذلك كانت جميع الحلول والمبادرات تطرَح ببعدها الأمني على المنطقة، وليس ببعدها الوطني والتاريخي والقومي حتى أو الإسلامي.


الكل ينظر لقضية اللاجئين الفلسطينيين أو للمكون الفلسطيني سواء داخل الوطن أو خارجه (كحيطة واطية) لا تُقبل فتواه، بل يجب قبول الإملاءات. ولذلك وصلنا لأكبر محنة قد مرت على البشرية، وأقسى من حروب أوروبا وغزوات التتار والمغول والصليبيين. فربما المشروع الصهيوني على أرض فلسطين هو يجمع الثلاث غزوات أو أكثر عبر التاريخ، وأشد إبادة وتدميرًا واستهدافًا للشعب الفلسطيني وليس لفصيل بحد ذاته. فربما لو كان هناك فصيل علماني قد دعته الثوابت الوطنية لإنقاذ آخر أوراق القضية الفلسطينية التي جمدها العالم وجعلها في مستودعات التبريد والتحنيط بعملية محسوبة أو غير محسوبة، المهم حدثت لكي لا نختلف مع البعض أو يختلفوا معنا حول أهمية ما حدث في أكتوبر. ولكن ربما كانت الصورة واضحة في الجمعية العامة بمفهوم لغة الجسد لنتنياهو أو لمشهد الكراسي الفارغة في الجمعية العامة.

الشعوب البعيدة تنتصر لمظلومية الشعب الفلسطيني، وتحرك الشارع وتضغط على الحكومات، وتقوم بالإضرابات، وعشرات الجامعات في أمريكا والعالم تناصر مظلومية الشعب الفلسطيني. حتى من يقول إن موقف أوروبا تكتيكيًا، ولو فرضنا ذلك، ما الذي أجبر أوروبا على ذلك غير الانقلاب في المفاهيم الثقافية للشعوب البعيدة عن جغرافية فلسطين؟ وما الذي أحدث انقسامات حتى في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي الأمريكي؟ هي قيادة الكيان الصهيوني التي لا تريدها أوروبا كما كانت مفاهيم إنشائها ووجودها.

فكيف يهاجمون النازية والفاشية وهم يمولون كيانًا أشد نازية وفاشية سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا ولوجستيًا؟ إنها المعادلة المقلوبة التي هي أشد فتكًا مما يستخدمه نتنياهو وأطماع الصهيونية في فلسطين، وهذه قصة كبيرة تحتاج لمن يفهم استراتيجيا، وببعد آخر، هذا الكيان الذي أصبح فيه انقسامات عمودية وأفقية ويسير متدرجًا إلى نهايته.
ما يحدث في غزة وشمال الضفة من تطهير عرقي لا يمكن أن تتجاوزه أي قوة في العالم. فهي فيها الكثير من العبر للعدو والصديق.

أما شعبنا الفلسطيني، وكما هي المحاولات المستمرة من الوصاية عبر أزمته مع المشروع الصهيوني، وآخرها مبادرة ترامب بوصاية دولية وبدون الأخذ بالاعتبار لأي تمثيل سياسي فلسطيني يعبر عن قضية حقوق وتاريخ وعدوان استنكرت سلوكه كل ما كتبه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية في حقوق الإنسان وحقه في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال، أو تنفيذًا لاتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين.
وأخيرًا، خاتمة لهذا المقال: الشعب الفلسطيني يفتقر لنقطة ارتكاز ووجود لتمثيل قراراته شيئًا من السيادة والرؤية غير المرتبطة بالقريب أو البعيد. الشعب الفلسطيني في الداخل مقيد برؤية الاحتلال والمتعاونين معه، أما خارج الوطن فحدث ولا حرج أيضًا. فإذا كان الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده يريد أن يمارس حريته السياسية والوطنية والقومية، فإن سألتم إن كان هناك أرض سابعة، فربما تجده أو لا تجده.
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)