-
℃ 11 تركيا
-
12 أغسطس 2025
ذكريات على المحك: كيف يعبث الذكاء الاصطناعي بعقولنا
ذكريات على المحك: كيف يعبث الذكاء الاصطناعي بعقولنا
-
12 أغسطس 2025, 10:28:16 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بلومبرغ
لم تعد مخاطر الذكاء الاصطناعي تقتصر على تزوير الصور أو إنتاج الأخبار الكاذبة، بل تمتد إلى ساحة أكثر خفاءً وخطورة: التلاعب بالذاكرة البشرية. هذه المساحة الحساسة التي تحدد فهمنا للماضي وإدراكنا للحاضر، باتت عرضة لتقنيات قادرة على زرع أحداث لم تقع أو تشويه تفاصيل وقائع حقيقية، حتى في عقول أشخاص يدركون أنهم أمام محتوى مُنشأ آليًا.
عالمة النفس الأمريكية إليزابيث لوفتوس قضت أكثر من نصف قرن في دراسة هشاشة الذاكرة البشرية، وكيف يمكن للمحققين أو المدّعين استغلال هذه الهشاشة لصياغة روايات مزيفة أثناء استجواب الشهود. واليوم، تتعاون لوفتوس، أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا – إيرفاين، مع فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، للكشف عن أبعاد جديدة لهذا الخطر في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث أظهرت تجارب حديثة أن قدرته على زرع ذكريات زائفة قد تتضاعف مقارنة بطرق الإيحاء التقليدية.
الذاكرة.. بناء لا تسجيل
منذ سبعينيات القرن الماضي، أثبتت تجارب لوفتوس أن الذاكرة ليست شريطًا جامدًا يسجل الأحداث، بل عملية بنائية يجمع فيها الدماغ أجزاءً متناثرة من تجارب مختلفة. وببعض الإيحاءات، أمكن إقناع مشاركين بأنهم ضلوا الطريق في طفولتهم داخل مركز تسوق، أو أصيبوا بوعكة من أطعمة معينة، وهو ما غيّر لاحقًا تفضيلاتهم الغذائية.
هذا التصور الخاطئ بأن الذاكرة نسخة مطابقة للماضي يجعلنا أكثر عرضة للتضليل. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المشهد، تتسع دائرة المخاطر، خاصة إذا استُخدم بأسلوب يشبه ما يُعرف بـ"الاستطلاعات الموجهة"، التي تزرع معلومة مضللة داخل سؤال بريء ظاهريًا، مثل: "ماذا ستفعل إذا علمت أن شخصية عامة ارتكبت مخالفة؟" — فيتحول الافتراض إلى قناعة.
من الإيحاء اللفظي إلى المحتوى المصوَّر
الباحث بات باتاراناتابورن من "مختبر الوسائط" في MIT يوضح أن زرع الذكريات لا يحتاج إلى مقاطع فيديو مزيفة معقدة، بل يكفي إقناع الشخص بأنه قرأ أو رأى شيئًا في الماضي. وفي تجارب أجراها الفريق، طُلب من متطوعين مشاهدة مقطع لسطو مسلح، ثم وُجّهت إلى بعضهم أسئلة تحمل إيحاءات كاذبة، مثل وجود سيارة هروب لم تُعرض في الفيديو أصلًا. النتيجة: نحو ثلث هؤلاء تذكروا المشهد المختلق، وبقيت الذكرى الزائفة معهم لأسبوع كامل.
وعندما قُسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات — بلا إيحاءات، إيحاءات مكتوبة، وإيحاءات من روبوت محادثة — كانت المجموعة الأخيرة الأكثر عرضة لتكوين ذكريات زائفة، بنسبة تزيد بـ 1.7 مرة عن من تلقوا المعلومات المضللة كتابيًا. الأخطر أن هذه التدخلات لم تزرع أحداثًا وهمية فحسب، بل قلّلت ثقة الأفراد في الحقائق التي شاهدوها فعلًا.
الصورة والفيديو.. ممرات أوسع للوهم
في تجربة أخرى، عُرضت على 200 متطوع صور مختلفة، بعضها حقيقية وبعضها معدلة أو مُنشأة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، ثم حُولت نسخ منها إلى مقاطع فيديو قصيرة. حتى من شاهد الصور الحقيقية فقط كوّن بعض الذكريات الخاطئة، لكن النسبة قفزت بشكل ملحوظ لدى من تعرضوا لصور أو فيديوهات معدلة، وسجلت أعلى معدلات التشويه لدى المجموعة التي شاهدت فيديوهات مولدة من صور مولدة بالكامل.
التلاعب شمل تغييرات طفيفة لكنها مؤثرة — مثل إضافة عناصر عسكرية إلى مشهد مدني أو تعديل حالة الطقس — وهي أساليب يدرك الخبراء أنها أكثر إقناعًا حين تكون مدمجة في سياق يحتوي على 60% على الأقل من الحقيقة.
بين الوعي والخداع
أظهرت النتائج أن الشباب أكثر عرضة لتبني الذكريات الزائفة مقارنة بكبار السن، بينما لم يكن لمستوى التعليم أثر كبير. اللافت أن معرفة المشاركين المسبقة بأن المحتوى من إنتاج الذكاء الاصطناعي لم تحصنهم من الوقوع في فخ التلاعب.
هذه الأبحاث تكشف أن خطر الذكريات الزائفة يتجاوز نشر الأكاذيب المباشرة، ليطال صميم إدراكنا للواقع. فخوارزميات منصات التواصل الاجتماعي تُنشئ بيئات تبدو شعبية زائفة، تغذي أفكارًا هامشية أو نظريات مؤامرة. ومع قوة الذكاء الاصطناعي، يصبح التلاعب بالذاكرة سلاحًا أكثر خفاءً وأصعب كشفًا، ما يستدعي وعيًا جماعيًا لمقاومة محاولات إعادة تشكيل قناعاتنا عبر تزوير ما نراه أو نشعر به أو نتذكره.
.jpg)









