-
℃ 11 تركيا
-
28 أغسطس 2025
د. لبيب جار الله المختار يكتب: برنارد لويس وكتاباته عن العرب.. بين البحث الأكاديمي وأجندة السياسة
د. لبيب جار الله المختار يكتب: برنارد لويس وكتاباته عن العرب.. بين البحث الأكاديمي وأجندة السياسة
-
28 أغسطس 2025, 8:41:12 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المستشرق والمؤرخ البريطاني–الأمريكي برنارد لويس
يُعدّ المستشرق والمؤرخ البريطاني–الأمريكي برنارد لويس (1916–2018) واحداً من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الدراسات الغربية عن الشرق الأوسط ، فقد جمع بين الباحث الأكاديمي المتعمّق في التاريخ الإسلامي، والمستشار السياسي المؤثر في صنع القرار الأمريكي، خاصة في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، ولأن كتاباته عن العرب شكّلت جسراً – وأحياناً حاجزاً – بين العالمين العربي والغربي، فإن دراسة فكره تكشف الكثير عن صورة العرب في المخيلة الغربية الحديثة.
بدايات أكاديمية وجذور استشراقية
نشأ لويس في لندن، وتخرج من جامعة لندن في دراسات الشرق الأدنى ولغات الشرق الأوسط، قبل أن يتخصص في التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى ، في كتاباته الأولى، مثل "العرب في التاريخ" (The Arabs in History – 1950)، قدّم رؤية سردية لمسيرة العرب من العصر الجاهلي حتى القرن العشرين، مبرزاً إنجازاتهم الحضارية، لكنه في الوقت ذاته وضعهم في سياق مقارن مع أوروبا، ما أضفى على عمله منذ البداية مسحة من المركزية الغربية.
من التاريخ إلى السياسة
لم يظل لويس أسير الأكاديميات، بل تحوّل تدريجياً إلى صوت حاضر في النقاشات السياسية ، ففي كتابه الشهير "أزمة الإسلام" (The Crisis of Islam – 2003)، يربط بين التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية وبين إخفاقات داخلية مزمنة، مثل الجمود السياسي وغياب الديمقراطية، لكنه يحمّل أيضاً الاستعمار الغربي مسؤولية تشكيل مسارات تلك الأزمات ، هذه المقاربة التي تمزج بين التحليل التاريخي والخطاب السياسي جعلته مرجعاً لكثير من الساسة في واشنطن.
نقد الذات العربية
في كتاب "ما الخطأ؟" (What Went Wrong? – 2002)، تناول لويس سؤال تراجع الحضارة الإسلامية مقارنة بالغرب الحديث، معتبراً أن العرب والمسلمين واجهوا صعوبة في استيعاب الحداثة الغربية وإدماجها في بنيتهم السياسية والثقافية ، هذا الطرح أثار جدلاً واسعاً؛ إذ رأى فيه بعض النقاد امتداداً لخطاب استشراقي كلاسيكي يُرجع مشاكل العالم العربي إلى "عيوب داخلية" أكثر من تأثير القوى الاستعمارية.
علاقة متوترة مع الفكر العربي
تفاوتت ردود الفعل العربية على كتابات لويس بين من رأى فيها تحليلاً واقعياً وإن كان قاسياً، وبين من اتهمه بتسويق صورة نمطية للعرب تخدم السياسات الغربية، خاصة الأمريكية ، فقد ورد اسمه مراراً في النقاشات حول غزو العراق عام 2003، وقيل إنه من بين من ألهموا بعض صناع القرار في إدارة بوش حول "إعادة تشكيل الشرق الأوسط" حتى لقبه البعض بـ( سياف الشرق الاوسط الجديد و مهندس سايكس – بيكو الجديدة ) .
إرث فكري متناقض
لا يمكن إنكار أن برنارد لويس ترك إرثاً بحثياً ضخماً في مجالات التاريخ الإسلامي، والدراسات العثمانية، والسياسة المعاصرة في الشرق الأوسط ، غير أن هذا الإرث يظل مثقلاً بأسئلة حول الحياد العلمي، وحدود التداخل بين البحث الأكاديمي والأجندة السياسية ، فلويس مثّل نموذجاً للمثقف الذي تجاوز قاعات الجامعات ليجلس على طاولة القرار، ما جعله بالنسبة للبعض "عرّاباً" لفهم الغرب للعرب، وبالنسبة لآخرين "مهندساً" لرؤى سياسية لم تخلُ من الأضرار ، ولايخفى على المتبصرين من العرب والمسلمين ان هكذا شخصيات تبحث بإبرة بين القش على ما يثير النعرات والاحقاد والمشاكل بين المسلمين من بطون التاريخ واظهارها على الساحة ، وبناء استراتيجيات طويلة الامد وفق مبدأ (فرق تسد) .






