-
℃ 11 تركيا
-
13 أغسطس 2025
د.رعد هادي جبارة يكتب: إيران واتفاقية زنغزور.. مواجهة جيوسياسية على حدود القوقاز
د.رعد هادي جبارة يكتب: إيران واتفاقية زنغزور.. مواجهة جيوسياسية على حدود القوقاز
-
12 أغسطس 2025, 9:33:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د.رعد هادي جبارة يكتب: إيران واتفاقية زنغزور.. مواجهة جيوسياسية على حدود القوقاز
في قلب القوقاز، حيث تتقاطع طرق التجارة القديمة مع حسابات السياسة المعاصرة، اندلع فصل جديد من الصراع الجيوسياسي. اتفاقية "ممر زنغزور" التي وُقعت في البيت الأبيض بين أرمينيا وأذربيجان، برعاية أمريكية، بدت للبعض مشروعًا للتواصل الإقليمي، لكنها في عيون طهران ليست سوى محاولة لتطويقها من خاصرتها الشمالية الغربية، وفتح بوابة جديدة أمام الناتو و إسرائيل على حدودها. ما بين التاريخ المثقل بالاتفاقيات المجحفة، و الواقع المليء بالتحالفات المتشابكة، تقف إيران اليوم عند مفترق طرق حاسم في القوقاز.
🔹رعاية امريكية لتطويق إيران:
في خطوة أثارت جدلًا إقليميًا واسعًا، وقّعت أرمينيا وأذربيجان، برعاية أمريكية ماكرة في البيت الأبيض، اتفاقية "ممر زنغزور" الذي يربط بين أذربيجان و نخجوان عبر الأراضي الأرمينية، ليفتح بذلك ممرًا استراتيجيًا نحو تركيا وآسيا الوسطى.و بينما احتفى رعاة الاتفاق باعتباره إنجازًا دبلوماسيًا، جاء الموقف الإيراني رافضًا وحادًّا، معتبرًا أن المشروع يستهدف تطويقها جيوسياسيًا هذه المرة من حدودها الشمالية الغربية.
🔹رفض إيراني صريح:
مستشار المرشد الأعلى، د. علي أكبر ولايتي، صرّح بوضوح أن إيران "لن تسمح بالممر المدعوم من ترمب"، محذرًا من أن تنفيذه سيهدد أمن جنوب القوقاز، وسيعزل طرق اتصال إيران مع الشمال والشمال الغربي لصالح المرور عبر تركيا. وأكد ولايتي أن طهران ستتحرك لمواجهة المشروع، سواء بالتنسيق مع موسكو – التي ترفضه أيضًا – أو منفردة.
🔹القوقاز؛ حديقةخلفية:
من منظور تاريخي وجيوبوليتيكي، تعتبر إيران منطقة القوقاز امتدادًا طبيعيًا لنفوذها، إذ كانت بعض دولها في الماضي جزءًا من الأراضي الإيرانية قبل أن تُنتزع منها في القرن التاسع عشر عبر اتفاقيات فرضتها القوى الكبرى آنذاك. واليوم، تحتفظ طهران بمصالح اقتصادية واستراتيجية كبيرة في هذه المنطقة، وترى في أي تغييرات ميدانية أو طرق مواصلات جديدة تهديدًا مباشرًا لتلك المصالح.
🔹تواطؤتركي أمريكي:
تركيا، التي أبدت ارتياحها للاتفاق، تنظر إلى ممر زنغزور كجسر بري يربطها بأذربيجان ودول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية، وصولًا إلى الصين، في إطار مشروع طريق الحرير. هذه الرؤية تتجاوز إيران والعراق، وتمنح أنقرة مزايا استراتيجية تحت إشراف أمريكي، مما يفتح الباب أمام نفوذ الناتو في منطقة شديدة الحساسية بالنسبة لطهران.
ورغم العلاقات الاقتصادية الجيدة بين تركيا وإيران، فإن سجل التمدد التركي – في سوريا وأفغانستان والخليج وآسيا الوسطى – يثير قلق طهران من أن يتحول الممر إلى منصة جديدة لتقليص نفوذها.
🔹هواجس أمنية شتى؛
إيران لا تخشى فقط عزلها جغرافيًا، بل أيضًا أن يتحول الممر، بطوله البالغ نحو 43.5 كيلومتر، إلى نقطة ارتكاز متقدمة لحلف الناتو وإسرائيل على مقربة مباشرة من حدودها. وتتعزز هذه المخاوف في ظل العلاقات الوثيقة بين تل أبيب وباكو، إضافة إلى الشكوك الإيرانية بشأن دورهما المحتمل في حادث سقوط المروحية الذي أودى بحياة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان.
🔹سيناريو المستقبل:
المشهد أمام إيران مفتوح على عدة احتمالات. في حال أصرت أرمينيا و أذربيجان، بدعم أمريكي–تركي، على المضي في تنفيذ ممر زنغزور، فقد تتحرك طهران نحو خيارات أكثر حزمًا، بدءًا من تعزيز وجودها العسكري على الحدود الشمالية الغربية، وصولًا إلى تحالفات أو تفاهمات أعمق مع روسيا وبعض دول آسيا الوسطى الرافضة لتقليص نفوذها.
وفي المقابل، إذا أبدى الطرفان استعدادًا لتعديلات تضمن عدم الإضرار بالمصالح الإيرانية، فقد يتجه المسار نحو تفاهمات إقليمية تعكس موازين القوى الواقعية.
🔹حواراتي:
النقاط أعلاه أكدت عليها خلال الحوارات التي أجرتها معي عدة قنوات فضائية واختتمها بالقول:
إن إيران، التي ترى في القوقاز امتدادًا تاريخيًا و عمقًا استراتيجيًا، لن تسمح بفرض معادلات جديدة تتجاهل خطوطها الحمر، حتى لو تطلب الأمر استخدام أدوات القوة الناعمة والخشنة معًا.










