د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: نيرون بين الأبله والهلفوت

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 20 يونيو 2025, 4:40:58 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ما بين شخصية الهلفوت في الفيلم المصري ورواية الأبله لدوستويفسكي يكمن التفكير الماسوني في إدارة الأمور غير المسيطرة على المحتل الإسرائيلي، وكما يقول المصدر العربي فَـ(الْهَـبَلُ) منْ هَبِلَتْهُ؛ أَيْ: ثَكِلَتْهُ بِالْمَوْتِ، أَمَّا اسْتِعْمَالُه فِي مَعْنَى: فَقْدِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ، بينما قلب بَعْضَ الْمُعاصِرين -فِي فُصحانا- لفظ (الْأَبلهِ) إِلى لفظ (الأَهبل)، وما بينهما إلا شعرة رفيعة. 

فلا ينظر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى نفسه على أنه حامٍ لبلاده فحسب، بل يعتبر أنه مخلص للغرب أو شرطي اميركا بالمنطقة. وهو يعتقد أن هذا هو الدور الذي يجب أن يُخلد به في التاريخ، وكأنهُ "الفتوة" عاش متحصنا بـالرعب الذي صدره للشعوب العربية والفلسطينية، وهو يعلم أن ضعفهم وخوفهم هو شتاتهم كي لا يقدرون على المواجهة والا سيكون الموت والتشريد والتجويع والتدمير وغير ذلك طريقهم واحد بعد الآخر، فلا يجرؤ منهم على مجرد التفكير في الاعتراض على ذلك السفاح الأمريكي الذي يعيش على سمعته العسكرية، متحصناً بالخوف الذي يُصدره دائما لدول العالم، وهي في حقيقتها دولة هشة داخلياً وخارجياً، يخافون من عظمة السعودية وقوة تأثيرها هي مصر بالمنطقة، كما أن هناك "كوريا الشمالية" و"الصين" و"روسيا" وغيرهم، أي ببساطة أن اميركا واسرائيل تحييا كـ "عسران الضبع".

ولعل رواية "الأبله" واحدة من أكثر النماذج تعبيراً عن قدرة دوستويفسكي على النظر في دواخل النفس الإنسانية وقد ترجمها الكاتب عام 2013م، وفيها يمكن أن يعذب رجلاً تعذيباً قاسياً وأن تتخذه أضحوكة وتجعله موضع سخرية وتهكم دون أن يشعر.

هكذا الأهبل والهلفوت، فقد تعالت العقوبات على إيران، التي استخدمت الصبر الاستراتيجي ضدها، لتعيش واشنطن وإسرائيل كابوسين وترامب يفضل ارتداء قبعة صنعت في الصين، التي تمتلك الرغبة في السعي إلى الهيمنة على العالم، لكن واشنطن قلقة من أنها ستلحق بها اقتصاديا، بل ستتجاوزها. وقد تراجع في قراراته الجمركية أمامها، بينما الإسرائيلي يتزايد بالجبروت وهو يعلم هلاكه حتي يضرب إيران، مقلقل العالم بمرر هرمز الملاحي ومياه الخليج التي ان طالها الإشعاع النووي اضرار بمياه الشرب، بينما الشعبي ترامب يقول إنه لن يخوض حرباً؛ ولا أريد سفك الدماء البشرية، بل أريد الحصول على جائزة نوبل للسلام، وهو يُدعم أكبر احتلال بشري وساحة حرب بريئة، أما نتنياهو فيرى نفسه منقذاً للغرب لا إسرائيل وحسب، ويقودهم للموت وهم يتبعونه كقطعان عمياء قد يشعل المنطقة ويحرج واشنطن، فيما يبقى التحدي الأكبر في غزة، لا طهران التي تقف السعودية ومصر بالمرصاد حتي حل الدولتين كقضية مصيرية.. وكسلام استراتيجية زار وزير الخارجية السعودية طهران وقفوا مع إيران في لفتة كريمة.

إن نتنياهو المضطرب تجاه إيران، وشعوره بأنه منقذ مُرسل، لاسيما بعد أحداث السابع من أكتوبر عام 2023. فهو لا يرى في إيران تهديداً للحضارة اليهودية فحسب، بل للغرب برمته الذي دعمه في اجتماع دول السبع، وبالتالي حوّل التهديد الإيراني إلى مسألة إسرائيلية خالصة. فعارض الاتفاق النووي معها تشبهاً بتشرشل [في الصلابة والقيادة التاريخية في مواجهة "شر مطلق" كما كان يفعل ونستون تشرشل مع النازية]، لكن آخرين يرونه أقرب إلى نيرون [الإمبراطور الذي أحرق روما]. لكن الأخطر هل تكتفي إيران بمواجهة مباشرة مع إسرائيل، أم توسع ردها لتستهدف مواقع أميركية في منطقة الخليج؟.. بينما يبدو في الأفق احتمالية إقدام طهران على خطوة غير عقلانية، فما هو آتٍ أعظم. إذ لا يبدو أن هناك أية مكاسب ملموسة يمكن لواشنطن أن تحققها من هذا التصعيد، لا بل إن الأخطار أكبر.

وختاماً: على كياننا العربي أن يُدرك أن لا للسطوة عقل ولا للفتونة طريق، فلنحذر من اتباع ملتهم وألا ننجرف وراء ما يطلقونه من تصريحات، حتى لا يأتي يوم نندم عليه.

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)