-
℃ 11 تركيا
-
15 يونيو 2025
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: تنمّر الفيل في 100 يوم
د. إبراهيم جلال فضلون يكتب: تنمّر الفيل في 100 يوم
-
30 أبريل 2025, 8:24:20 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
اكتشاف الإنسان لقدراته هو أكثر من نصف طريق النجاح، والدليل ما رأيناه في قيمة الثورات العربية الاستراتيجية، التي لم تغيّر الأنظمة فقط، بل حررت الشعوب من وهم العجز، وأيقظتها من غفلتها ونبّهتها إلى قوتها الكامنة، مما منحها دفعًا قويًا نحو النهضة وصناعة مستقبلها.
فحكاية الفيل نيلسون، الذي وقع في أسر أحد الصيادين وقُيّد بسلسلة حديدية متينة. محاولاً مرارًا وتكرارا التحرر من هذا القيد، لكنه فشل في كل مرة، حتى استسلم لقناعته بعجزه وتوقف عن محاولاته، وبعد مدة معينة بدل الصياد السلسلة الحديدية بأخرى خشبية ضعيفة، يمكن كسرها بسهولة، لكن الفيل ظل مستسلماً غير مدرك لقوته الحقيقية. وهذا يشبه المثل العربي "من شبَّ على شيء شاب عليه"، ولذلك عندما سأل طفل والده عن سبب بقاء الفيل في الأسر رغم قدرته على التحرر، أجابه الأب بأن المشكلة لم تكن في القيود المادية، بل في قناعة الفيل الراسخة بعجزه.
هذه الفكرة تنطبق على الكثير من البشر الذين يحملون أفكارًا سلبية تحدّ من إمكانياتهم، ويعيشون أسرى لقناعاتهم الخاطئة. غير واعين لما يمتلكونه من إمكانيات وقدرات. مصداقاً للمثل الشعبي "اللي يخاف من العفريت يطلع له"، ومثل هؤلاء، لا تحكمهم القيود الفعلية، وإنما معتقداتهم الداخلية التي تجعلهم أسرى لفكرة الفشل والهزيمة، ظانين أن النجاح ليس لهم، بل حكرٌ على الآخرين.
أيها البشر نحن نصنع النصر أو الهزيمة وفقًا لقناعاتنا، وأعداؤنا لا يكونون أقوياء إلا بقدر ما نرسمه في أذهاننا عنهم. فحين أدركت الشعوب في عام 2011 قوتها، حطّمت السلاسل الوهمية التي قيّدتها لعقود، فانطلقت نحو الحرية.. كفيل مات بعد مئة عام في خناقة مع آخر !.. ويذكرنا التاريخ بتأثير البرمجة السلبية في لحظات المواجهة، كما حدث أثناء اجتياح التتار، حينما كان جندي تتاري يأمر أحد المسلمين بالبقاء مكانه حتى يحضر سيفه ليقتله، فيظل المسلم واقفًا بلا مقاومة، بسبب خوفه من قوة التتار الأسطورية، إذ شلت الهزيمة النفسية قدرته على التصرف. بينما لو حاول الفرار أو الدفاع عن نفسه لكان أمامه فرصة للنجاة.. وهو ما سيكون لترامب أو نيتنياهوا الحليف المرتعد من نهايته التي يراها جراء أفعاله في غزة الكبرى، وكما في عالم السياسة والصراعات الدولية، يحيل "الفيل" عادةً إلى الثقل، أو الحكمة، لكن كما يحدث من قرارات ترامب في مئويته الشعبوية، فسلوكه عكس تمثيلًا للقوة السلطوية العمياء والهيمنة التي لا تُقاوَم. فصار متنمراً على العالم الذي ظن ضعفهُ فأصبح ثقيل الحركة، عنيف الأثر، قليل الاكتراث بنتائج أفعاله — خلال 100 يوم من الأزمات الدولية المتعاقبة. لكن الأهم هو سلوك الفيل عندما يتحول من رمز إلى فاعل: يزأر، يدهس، ولا يتراجع، فتكون نهايته الموت إن لم يثور عليه قومهُ ويطردوه، أكلته الضباع في معركة لا مناص منها.
وهنا نستحضر حكمة سقراط الشهيرة: "السر الحقيقي للحرية هو الشجاعة". وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم، نجد أن الإنسان مكرم، وهو سيد الكون، يقول الله تعالى في سورة ص - الآية 72: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي"، وهي رؤية إيجابية من شأنها أن تعطي الإنسان القوة لكسر قيوده والانطلاق نحو النجاح.. كما صنعت مصر بردها السريع على فجاجة ترامب بمنح السفن الأمريكية العبور بدافع الحماية لمصر، وكرد السعودية عليه حينما طلب أموالاً ليبتزها كما يفعل مع دول أخرى، وهنا يُكمن الفرق بين الإنسان الناجح والفاشل ليس في الإمكانيات، بل في القدرة على اكتشافها واستثمارها. وفق مقولة ثيوسيديدس في سجلات الحرب البيلوبونيسية: "القوي يفعل ما يشاء، والضعيف يتحمّل ما يجب"
إن البرمجة السلبية هي أخطر العقبات، إذ تجعل أصحابها عاجزين عن رؤية إمكانياتهم، فينهزمون من الداخل قبل أن يُهزموا من الخارج. الآية القرآنية التي تقول: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ" ، ولذلك علينا أيها العرب التحرر من الماضي والانطلاق بأفكار جديدة. كما قال هيغل عن نابليون "رأيت روح العالم على صهوة جواد"، فروحنا العربية ترفرف في علمهم وفي بلادهم كما عُثر على النقوش الفرعونية في الساحل الشرقي لدولة أستراليا ما يقارب 300 نقش في حالة سليمة، وعمرها 2500 عام ق م، وعلوم عُلماؤنا تُغرقهم وهي سر تقدمهم كما وصفته في سلسلة كتب (موسوعة علماء العرب) عدة أجزاء.
وأخيراً: في مائة يوم، ترك "الفيل المتنمّر" آثارًا عميقة في الجغرافيا السياسية والوجدان الإنساني. الذي وصفونا كمنطقة عربية بالعالم المتخلف وأننا أدغال لهم، بينما هم يتسولون منا المال والغاز لتستمر هذه القوى في فرض إرادتها، فإن النظام الدولي يبدو أقرب إلى حديقة بدون حارس، حيث لا قانون يردع، ولا أخلاق تُلزم.









