-
℃ 11 تركيا
-
30 سبتمبر 2025
خطة ترامب بين وعود العرب وتلاعب نتنياهو: إهانة كبرى تكشف حدود التبعية
خطة ترامب بين وعود العرب وتلاعب نتنياهو: إهانة كبرى تكشف حدود التبعية
-
30 سبتمبر 2025, 4:00:53 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
قبل أيام فقط من إعلان الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة، كان وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا يصدرون بيانًا مشتركًا يفيض بالترحيب بدور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويشيدون بجهوده "الصادقة" في السعي إلى وقف الحرب. هؤلاء الوزراء أكدوا استعداد دولهم للتعاون البناء مع الولايات المتحدة، معتبرين أن المقترح الأمريكي يمثل فرصة لتكريس السلام ومنع تهجير الفلسطينيين وإعادة إعمار غزة، بل ذهبوا إلى حد الإشادة بتعهد ترامب بعدم السماح بضم الضفة الغربية. بدا الموقف في تلك اللحظة وكأن الدول العربية والإسلامية قد منحت ترامب تفويضًا مطلقًا لرسم ملامح التسوية، متناسين التجارب السابقة التي أثبتت أن واشنطن لا تتحرك إلا في حدود ما يسمح به الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الانخراط الحماسي منح الخطة الأمريكية غطاءً عربيًا وإسلاميًا مبكرًا، وأعطى انطباعًا بأن قادة المنطقة مستعدون للقبول بأي مسار يطرحه ترامب، طالما جاء تحت لافتة إنهاء الحرب وإغاثة غزة. غير أن هذه التفاهمات لم تكن سوى بناء هشّ سرعان ما أطاح به بنيامين نتنياهو، الذي لم يكتف بتغيير التفاصيل الهامشية بل نسف جوهر الخطة التي تفاهم عليها ترامب مع الحكام العرب.
تعديلات نتنياهو الحاسمة
وفقًا لما كشفه موقع "أكسيوس" الأمريكي، أدخل نتنياهو تعديلات واسعة على خطة ترامب، بعد ست ساعات من الاجتماعات مع مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف وصهر الرئيس جاريد كوشنر. التغييرات طالت أهم القضايا الجوهرية، وعلى رأسها ربط انسحاب إسرائيل من غزة بمدى التقدم في عملية نزع سلاح حماس، وهو شرط يجعل الانسحاب مجرد ورقة تفاوضية مفتوحة لا أفق لها. كما منح نتنياهو حكومته "حق النقض" على مسار العملية، بما يعني أن الاحتلال بات صاحب الكلمة النهائية في تقرير مصير القطاع، حتى لو وافقت حماس وسائر الأطراف.
الأخطر من ذلك أن الخطة المعدلة أبقت على وجود عسكري إسرائيلي في ما سُمّيت "المنطقة الأمنية" داخل غزة، وهو ما يعني بقاء قوات الاحتلال إلى أجل غير مسمى، مهما تم تنفيذ مراحل الاتفاق. بهذا المعنى، نسف نتنياهو وعد الانسحاب الكامل الذي روج له ترامب أمام وزراء الخارجية العرب، وأثبت أن أي خطة أمريكية لا يمكن أن تتجاوز السقف الإسرائيلي، حتى لو كانت تحمل توقيع رئيس في البيت الأبيض.
الإهانة العلنية للحكام العرب
ما جرى شكّل إهانة كبرى لحكام الدول العربية والإسلامية الذين رحبوا علنًا بجهود ترامب، قبل أن يكتشفوا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ألغى عمليًا ما وافقوا عليه. لقد بدا المشهد وكأنهم مجرد شهود زور على مسرحية سياسية، حيث تفاهموا مع ترامب على خطة تضمنت إعادة إعمار غزة ووقف التهجير وانسحابًا إسرائيليًا كاملًا، ثم فوجئوا بأن نتنياهو أعاد صياغتها بما يخدم أجندته الداخلية وتوازناته مع اليمين المتطرف.
ترامب نفسه لم يتردد في إعلان الخطة المعدلة إلى جانب نتنياهو، متجاهلًا اعتراضات قطر التي طالبت بتأجيل نشرها بسبب التغييرات. هذا الإصرار على فرض النص المعدل كشف أن الإدارة الأمريكية ترى في الحكام العرب مجرد أدوات لإضفاء شرعية شكلية، وليست أطرافًا حقيقية في صناعة القرار. لقد اختصر نتنياهو وترامب دورهم في التصفيق والدعم، بينما تم نسف مضمون ما اعتبروه "شراكة بنّاءة".
معادلة التبعية والواقع الجديد
الرسالة الأعمق التي بعثتها هذه الواقعة هي أن ميزان القوى في المنطقة ما زال يميل بالكامل لصالح الاحتلال. فإذا كان قادة العرب والإسلام قد احتفوا بما وصفوه بالضمانات الأمريكية بعدم ضم الضفة وبإعادة إعمار غزة، فإن نتنياهو أظهر بوضوح أن كل ذلك مجرد وعود فارغة يمكن شطبها بقرار داخلي في تل أبيب. أما ترامب فقد استغل اندفاعهم ليعرض نفسه كزعيم قادر على إخضاع الجميع لرؤيته، قبل أن يسمح لحليفه الإسرائيلي أن يعيد صياغة الخطة وفق منطق القوة والهيمنة.
إنها لحظة كاشفة تُبرز حجم التبعية التي تحكم علاقة العواصم العربية بواشنطن وتل أبيب. فالخطة التي استُقبلت كـ"مبادرة سلام تاريخية" انتهت إلى مجرد إعادة إنتاج لسياسات الاحتلال، مع فارق أن الحكام العرب قبلوا أن يكونوا شهودًا على تقويضها، دون أن يملكوا حتى ترف الاعتراض العلني. وهكذا تكرّست الإهانة السياسية في أوضح صورها، حين ظهر نتنياهو إلى جانب ترامب يعلن الخطة المعدلة، بينما كانت الدول العربية التي رحبت قبل ساعات فقط تجد نفسها خارج الحسابات، بلا وزن ولا تأثير.










