-
℃ 11 تركيا
-
16 يونيو 2025
حين قُصف التاريخ.. زكريا السنوار يودّع الحياة تحت ركام النصيرات
حين قُصف التاريخ.. زكريا السنوار يودّع الحياة تحت ركام النصيرات
-
18 مايو 2025, 10:17:20 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شيماء مصطفى
في ساعاتٍ لم تعد تميز بين ليل أو نهار، حيث لا صوت يعلو فوق أزيز الطائرات ورائحة الركام، خرج الخبر من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ثقيلًا كالصاعقة: استشهاد الدكتور زكريا السنوار، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة الإسلامية، وثلاثة من أبنائه، في قصف صهيوني غادر استهدف منزلهم.
لم يكن السنوار يحمل سلاحًا بل كان يحمل تاريخًا
كان يسير بين قاعات المحاضرات في الجامعة الإسلامية، موقنًا أن المعركة الحقيقية هي معركة الوعي، وأن الشعب الذي يعرف تاريخه لا يُهزم بسهولة. لكن الطائرات لم تفرّق بين المؤرخ والمقاتل، بين القلم والبندقية.
أستاذ التاريخ.. الذي صار جزءًا منه
زكريا السنوار، الذي أفنى سنوات عمره في توثيق الوجع الفلسطيني وأرشفة المراحل الحرجة من النكبة وحتى الحصار، لم يكن يومًا بعيدًا عن الميدان، رغم هدوء ملامحه وانغماسه في الكتب والمخطوطات. كان يرى أن المقاومة تبدأ من العقل، وأن الذاكرة الوطنية لا يجب أن تُنسى أو تُشوّه.
لكن في لحظة خاطفة، طُويت صفحته كما تُطوى الكتب في أركان البيوت المدمّرة، وامتزج اسمه بين قوائم الشهداء التي تزداد كل ساعة.
بيتٌ سقط على تاريخه وحاضره
القصف استهدف منزله، ولم يُبقِ فيه شيئًا. لا جدران ولا ملامح، لا صور أطفال على الحائط، ولا مكتبة تعجّ بكتب التاريخ. فقط الركام، وفوقه جسد الأكاديمي الهادئ، وجثامين ثلاثة من أبنائه، سقطوا بلا وداع، كما يسقط آلاف غيرهم في قطاعٍ تحوّل إلى مقبرة مفتوحة للمدنيين.
زكريا ليس فقط أخًا للقائد في حركة حماس يحيى السنوار، الذي اغتاله الاحتلال مؤخرًا، بل هو أيضًا شاهد على ذاكرة أوسع، وراوٍ لصوت شعبه الذي لطالما قاوم الاحتلال بالكلمة كما بالسلاح.
غزة تفقد عقلها.. لا فقط رجالها
برحيله، تفقد غزة عالمًا ومؤرخًا ومعلّمًا، في وقت أحوج ما تكون فيه إلى من يوثّق ويفسّر ويفهم ما يجري. فرحيل الأكاديميين في الحرب لا يُقاس فقط بعدد الشهداء، بل بكمّ الفراغ الذي يتركونه خلفهم في الأجيال القادمة.
لقد قُصف بيت زكريا السنوار، نعم، لكن الحقيقة الأعمق أن بيت التاريخ في غزة تَصدّع برحيله.









