حكومة أوروبية تقاطع.. وأمين عام العرب يبرر التطبيع!

profile
  • clock 30 مايو 2025, 12:59:59 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
يدا بيد بين أبو الغيط وتسيبي ليفني (وزيرة خارجية كيان العدو السابقة)

متابعة: عمرو المصري

في مشهد يختصر عمق الخذلان العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، خرج أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، بتصريحات مخزية ومحبطة في مقابلة مع صحيفة إل باييس الإسبانية، نُشرت يوم الخميس، دافع فيها بوضوح عن استمرار العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية وإسرائيل، رغم المذبحة المستمرة التي تنفذها قوات الاحتلال بحق المدنيين في غزة. أبو الغيط قال دون تردد إن "قطع العلاقات مع إسرائيل ليست سياسة حكيمة"، متجاهلًا دماء أكثر من 50 ألف شهيد وآلاف الجرحى الذين سقطوا بفعل آلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة.

حين تبرر الجامعة "العلاقات الباردة"

ردًا على سؤال حول امتناع الدول العربية التي ترتبط بعلاقات مع الاحتلال – كمصر – عن قطعها، أجاب أبو الغيط: "قطع العلاقات ليس سياسة حكيمة عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع الأطراف". وأضاف أن "مصر وقطر تحاولان التوسط لوقف إطلاق النار، ويتطلب ذلك التواصل مع إسرائيل". بل وذهب إلى حد القول إن العلاقات بين مصر وإسرائيل "شكلية ولكنها باردة جدًا"، مؤكدًا أن القاهرة لم تعين سفيرًا جديدًا في تل أبيب منذ 2024، وأنه لا توجد تقريبًا أي علاقات تجارية أو ثقافية، وأن المكتب الثقافي الإسرائيلي مغلق.

لكن الغريب أن كل هذه "البرودة" لم تمنع الأمين العام من الدفاع عنها، معتبرًا أنها ضرورية للحوار! وكأن التواصل مع دولة الاحتلال أهم من التعبير عن موقف سياسي وأخلاقي يُفترض أن يمثّل صوت الشعوب العربية المقهورة من مشاهد الإبادة اليومية في غزة. يقول أبو الغيط بكل صفاقة: "لا حياة في تلك العلاقة، وهو أمر طبيعي لأن الشعب المصري متأثر (بغزة) أكثر من أي وقت مضى"، متناسيًا أن هذا الشعب المتأثر لا يجد من يمثله أو يصرخ باسمه في المحافل الدولية.

خمس دول.. وصفر إجراءات

الصحيفة الإسبانية الواسعة الانتشار، لفتت إلى التناقض الصارخ بين إدانات الأنظمة العربية للمجازر الإسرائيلية، وبين فشلها الذريع – بل وتواطئها – في اتخاذ أي إجراءات ملموسة ضد الكيان. إذ تحافظ خمس دول عربية فقط من أصل 22، على علاقات رسمية مع إسرائيل (مصر، الأردن، المغرب، الإمارات، البحرين)، ولم تقطع أي منها علاقاتها أو حتى تستدعِ سفيرًا واحدًا (باستثناء مصر التي رفضت اعتماد سفير الكيان الجديد أو إرسال سفيرا جديدا إلى تل أبيب، وغن كانت العلاقات التجارية بين مصر والكيان ارتفعت بعد 7 أكتوبر 2023)، رغم مشاهد الدمار والقتل اليومية التي تشهدها غزة. والأدهى أن أبو الغيط يبرر هذا الصمت المخزي بقوله إن "من الضروري التحدث مع الإسرائيليين لتحقيق السلام"، في خطاب بدا وكأنه صدى لصوت دبلوماسي إسرائيلي، لا أمين عام جامعة يفترض أن تمثل ضمير أمة.

"لا نريد الحرب".. ذريعة الهروب من الكرامة

عندما سُئل عن السبب وراء تفضيل الدول العربية الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل رغم غضب شعوبها، اكتفى أبو الغيط بعبارة باتت ممجوجة: "نحن لا نريد الحرب، نطمح إلى حل سلمي". وأعاد التذكير بمبادرة السلام العربية التي طُرحت عام 2002 في قمة بيروت، والتي رفضتها إسرائيل كعادتها، لأنها ببساطة لا تقبل بأقل من السيطرة الكاملة على كامل التراب الفلسطيني. ورغم هذه الحقيقة التي أقر بها بنفسه، فإن الأمين العام يُصر على أن التواصل مع القاتل أفضل من مواجهته، في استخفاف فج بدماء الشهداء، وإهانة متواصلة للكرامة الوطنية والقومية.

أبو الغيط يروّج لكتابه بينما غزة تُباد

في تناقض مرير مع المأساة الفلسطينية، زار أبو الغيط مدريد هذا الأسبوع ليحتفي بإطلاق النسخة الإسبانية من كتابه "شاهد على الحرب والسلام"، وسط حضور رسمي دبلوماسي في "البيت العربي". وبدلًا من استغلال المنصة لفضح الاحتلال والدعوة إلى عزل إسرائيل، كرر الرجل ذات العبارات الدبلوماسية الخاوية، مكتفيًا بالقول إن الجامعة العربية تسعى لإحالة الجرائم الإسرائيلية إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. لا دعوات للمقاطعة، لا ضغط سياسي، لا استراتيجيات جدية؛ فقط خطابات مكررة في وقت تنزف فيه غزة حتى الرمق الأخير.

إسبانيا: موقف أخلاقي مشرّف

في مفارقة تثير الغضب والدهشة، جاءت مواقف الحكومة الإسبانية لتُعرّي تمامًا هشاشة وخنوع الموقف العربي الرسمي. فخلال العامين الأخيرين، اتخذت مدريد سلسلة خطوات شجاعة ضد الاحتلال، أبرزها الاعتراف بدولة فلسطين في مايو الماضي، والدعوة المستمرة لوقف إطلاق النار، ودعم التحقيقات الدولية بحق إسرائيل على خلفية انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي. البرلمان الإسباني صوّت على توصية بوقف تصدير السلاح لإسرائيل، وتُجري الحكومة مشاورات لسن قانون يحظر تصدير الأسلحة إلى الدول التي تمارس الاحتلال أو الإبادة الجماعية.

بل وذهب رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قبل أسبوعين إلى وصف إسرائيل بـ"دولة إبادة جماعية"، في موقف غير مسبوق على مستوى القيادات الأوروبية، ما دفع حكومة الاحتلال لاستدعاء السفيرة الإسبانية. ولم تكتف مدريد بذلك، بل دعت قبل أيام فقط إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة الجرائم الإسرائيلية في غزة. كل هذا يحدث في بلد أوروبي، بينما يصر أبو الغيط – الذي يُفترض أن يتحدث باسم العرب – على أن قطع العلاقات "ليس حكيماً"، ويواصل الترويج لعلاقات "باردة" لا معنى لها سوى تبرير العجز.

من يمثل غزة حقاً؟

السؤال الجوهري الآن: من الذي يمثل غزة اليوم؟ أهو الأمين العام الذي يهادن الجلاد ويخشى قطيعته، أم حكومة أوروبية تجرّ خلفها المواقف العربية، وتخجلهم بمواقفها الجريئة؟ في وقت تتكلم فيه الضمائر الحية حول العالم، يواصل بعض العرب دفن رؤوسهم في رمال الخنوع السياسي، ويتقنون فن التبرير لتجنب أي مواجهة حقيقية مع كيان يمارس القتل على مدار الساعة. غزة تُباد، وأبو الغيط يدعو للحوار.

التعليقات (0)