جيفري ساكس من أنطاليا: لا سلام في الشرق الأوسط ما دامت أمريكا حاضرة

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 17 يوليو 2025, 12:21:24 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في كلمة حادة وصادمة أمام منتدى أنطاليا للدبلوماسية، فجّر الخبير الاقتصادي الأمريكي المعروف جيفري ساكس مجموعة من التصريحات الجريئة التي هزت جدران المفاهيم التقليدية حول الدور الأمريكي في الشرق الأوسط. كانت الرسالة واضحة:

“لا سلام في هذه المنطقة ما دامت الولايات المتحدة موجودة فيها.”

إمبراطوريات لا تعمل من أجلكم

افتتح ساكس حديثه بنقد لاذع لفكرة الاعتماد على القوى الكبرى في إدارة أزمات المنطقة، مؤكدًا أن:“الإمبراطوريات لا تعمل من أجلكم، بل تفرّق العرب لتسيطر.”، مضيفًا أن السياسات الغربية، منذ معاهدة فرساي وحتى اليوم، لم تهدف إلى بناء السلام بل إلى التلاعب بخريطة المنطقة وتقسيمها بما يخدم مصالح القوى الكبرى.

ليست حربًا أهلية.. بل مؤامرة مُكلِفة

وفي رده على الرواية الشائعة للحرب السورية، رفض ساكس السردية المبسّطة التي تُحمّل النظام والمعارضة وحدهما مسؤولية الكارثة. وقال:“هذه ليست مجرد حرب أهلية، بل عملية مكلفة تطلبت مليارات الدولارات وأسلحة وخططًا محكمة. لست أتحدث عن نظرية مؤامرة – بل عن مؤامرة حقيقية.” وأشار هنا تحديدًا إلى عملية “تمبر سيكامور” (Timber Sycamore) – وهي خطة أمريكية سرية دعمت بها واشنطن فصائل مسلحة في سوريا منذ عام 2012، وأسهمت في إطالة أمد الحرب وتعقيد مخرجاتها.

وكالة الاستخبارات أم وكالة الشعب السوري؟

بصراحة نادرة، تساءل ساكس: “هل تعتقدون أن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تعمل لصالح الشعوب؟ لا تكن ساذجًا.” ووجه نقدًا لاذعًا لمن يظنون أن التدخل الأمريكي نابع من حرص إنساني أو نية للإصلاح الديمقراطي، مؤكدًا أن منطق الإمبراطوريات هو الهيمنة لا المساعدة.

ثلاث حضارات: العربي، التركي، والفارسي

قدّم ساكس قراءة جيوبوليتيكية لميزان القوى في المنطقة، معتبرًا أن الشرق الأوسط بُني تاريخيًا على ثلاثة محاور حضارية: العربي، التركي، والفارسي، وأن إدخال قوى خارجية مثل الولايات المتحدة لا يحقق التوازن، بل يخلّ به ويديم الصراعات.وقال في جملة لافتة: “إيران كانت هنا منذ 5000 عام – بل صححني أحدهم، 7000 عام.”

لا تحتاجون أمريكا لإخراج الكستناء من النار

في دعوة رمزية للاعتماد على الذات، قال: “لا تصدقوا أن ما حدث في سوريا كان بسبب وكالة الشعب السوري فقط. أنا أعرف ما فعلته بلادي، وأظن أن معظمكم يعرف كذلك.” مضيفًا أن الحل لن يأتي من الخارج، بل عبر بناء وكالة وطنية حقيقية تعبّر عن إرادة الشعوب، لا الوكالات الاستخباراتية.

“لا يوجد مجتمع دولي”

ربما كانت أكثر عباراته صدمة حين قال: “لا يوجد شيء اسمه مجتمع دولي. هناك مصالح، هناك جيوش، وهناك تغييرات أنظمة. نحن نحاول بناء مجتمع دولي، لكنه غير موجود الآن. وهذه هي المأساة.”

ما بعد ساكس

ما قاله جيفري ساكس ليس مجرد تحذير أكاديمي، بل تشريح صريح للبنية العميقة التي تُملي على الشرق الأوسط مصيره منذ عقود. فحين يصدر هذا التشخيص من خبير أمريكي متمرس، يكون الصمت العربي أمامه جزءًا من الأزمة لا من حلّها.

لقد فضح ساكس الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة لا بوصفها سلسلة من الأخطاء، بل كمشروعٍ متعمَّد لإنتاج الفوضى المُدارة. فـ”مبرر التدخل” لا يزال أقوى أدوات الهيمنة، و”تحالفات الضرورة” لا تزال تُبرر تبعية مكلفة، سياسيًا واقتصاديًا وأخلاقيًا.

كلماته في أنطاليا ليست نهاية النقاش، بل بدايته. ما نحتاجه ليس فقط استيعاب الصدمة، بل تشييد مشروع سيادي مستقل يعيد الاعتبار إلى الفضاء العربي–التركي–الإيراني بوصفه مركز التوازن الإقليمي، لا هامشًا لصراعات الآخرين.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
المصادر

 

• تقرير شامل من Washington Post أكد إنهاء البرنامج في 2017 بأمر من ترامب بعد مخاوف من تسرب السلاح لجماعات متطرفة:
‏Trump ends covert CIA program to arm anti-Assad rebels in Syria
• تحليل نقدي في منصة War on the Rocks وصف العملية بأنها “تدخل مرتجل” أدّى إلى نتائج كارثية:
‏The Logic for (Shoddy) U.S. Covert Action in Syria
• مقال حديث من West Point – MWI حذّر من أن Timber Sycamore كان مثالًا على فشل الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا:
‏After a Decade of Incoherent Strategy in Syria: A Way Forward
• لمحة تحليلية شاملة من Wikipedia توثق مسار التمويل والدعم العسكري للفصائل:
‏Timber Sycamore – Wikipedia

التعليقات (0)