تكبير الخط تصغير الخط

متابعة: عمرو المصري

في معرض تعليقها على التقارير التي أفادت بإطلاق الولايات المتحدة تفاصيل مشروع "القبة الذهبية" الدفاعي الصاروخي يوم الثلاثاء، بميزانية مخصصة تبلغ 175 مليار دولار وجدول زمني لإنجازه خلال ثلاث سنوات، وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، النظام بأنه منظومة دفاعية عالمية متعددة المستويات والمجالات. وأشارت ماو إلى أن المشروع يسعى علنًا إلى توسيع قدرات القتال في الفضاء الخارجي بشكل كبير، بما يشمل تطوير ونشر أنظمة اعتراض مدارية. وأكدت أن لهذا المشروع دلالات هجومية واضحة، ويُعد خرقًا لمبدأ الاستخدام السلمي للفضاء الذي نصّ عليه اتفاق الفضاء الخارجي، كما يزيد من مخاطر عسكرة الفضاء وسباق التسلح، ويقوض أمن العالم والأطر الدولية للرقابة على التسلح.

ترامب يعلن المشروع ويعيّن قائداً من "قوة الفضاء"

بحسب وكالة "رويترز"، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء أنه اختار تصميمًا لمنظومة "القبة الذهبية" الدفاعية، وعيّن جنرالاً من قوة الفضاء الأمريكية لقيادة المشروع. وتهدف المنظومة إلى إنشاء شبكة من الأقمار الاصطناعية، قد تُعدّ بالمئات، من أجل رصد وتتبع وربما اعتراض الصواريخ القادمة. وتقول الصين إن هذا السعي الأميركي لما يسمى "الأمن المطلق" يأتي على حساب مبدأ الأمن غير المنقوص لجميع الدول، مما يهدد التوازن الاستراتيجي والاستقرار العالمي.

الصين تدعو إلى التراجع عن عسكرة الفضاء

قالت ماو نينغ: "ندعو الولايات المتحدة إلى التخلي عن تطوير ونشر منظومة دفاع صاروخي عالمية، واتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين القوى الكبرى، والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي العالمي". وحذرت خبيرة صينية من أن مشروع "القبة الذهبية" يُعد خرقًا صريحًا للإجماع الدولي حول ضرورة إبقاء الفضاء خاليًا من الصراعات العسكرية، مؤكدة أن المشروع سيشعل حتمًا سباق تسلح جديد في الفضاء الخارجي.

تمويل ضخم وشكوك في الجدوى

ذكر موقع "ديفينس نيوز" أن الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي خصصوا 25 مليار دولار للمشروع ضمن خطة موازنة العام المالي 2025، وهو الرقم الذي أشار إليه ترامب وصادقه في تصريحاته. وقال ترامب لوسائل الإعلام من المكتب البيضاوي: "سننجزه خلال ثلاث سنوات". غير أن الخبراء الصناعيين أعربوا عن شكوكهم في إمكانية تحقيق المشروع ضمن هذا الإطار الزمني والتكلفة المعلنة، إذ قدرت "مكتب الميزانية في الكونغرس" هذا الشهر أن كلفة المشروع قد تصل إلى 831 مليار دولار خلال العقدين المقبلين.

تحذير مشترك من الصين وروسيا

أشارت وثيقة مشتركة صادرة عن الصين وروسيا في مطلع أيار/مايو بشأن "الاستقرار الاستراتيجي العالمي"، إلى أن خطة "القبة الذهبية" تعلن صراحة نية الولايات المتحدة رفع قدراتها القتالية في الفضاء من خلال تطوير ونشر أنظمة اعتراض مدارية، بما يؤدي إلى تسليح الفضاء وتحويله إلى ساحة مواجهة مسلحة واسعة النطاق. وأكدت الوثيقة أن الخطة الأميركية تهدف إلى بناء نظام دفاع صاروخي عالمي متعدد المستويات وغير خاضع لأي قيود، لمواجهة تهديدات من خصوم "متكافئين"، وهو ما يتسبب بأضرار جسيمة في الاستقرار الاستراتيجي العالمي.

محاولة للهيمنة العسكرية الفضائية

قال سونغ جونغ بينغ، الخبير الصيني في الشؤون العسكرية، لصحيفة "غلوبال تايمز"، إن مشروع "القبة الذهبية" في جوهره محاولة متعمدة من واشنطن لتأسيس تفوق عسكري عالمي جديد عبر نظام مزدوج الوظيفة (هجومي ودفاعي) يتمركز في الفضاء. وأكد سونغ أن هذه الخطوة تُعد انتهاكًا صارخًا للإجماع الدولي حول إبقاء الفضاء خاليًا من الأسلحة النووية والصراعات العسكرية، وهي تنذر بسباق تسلح فضائي جديد لا محالة.

اتهامات موجهة إلى الصين وروسيا.. والرد واضح

بحسب تقرير "رويترز"، فإن مشروع "القبة الذهبية" يهدف إلى التصدي لما تعتبره واشنطن "تهديدات" صادرة من الصين وروسيا. وردًا على ذلك، أوضح سونغ أن كلا البلدين طالما دافعا عن الاستخدام السلمي وغير العسكري للفضاء، مما يجعل الطرف المسؤول عن عسكرة الفضاء وسباق التسلح واضحًا تمامًا، وهو الولايات المتحدة بسياستها الرامية لترسيخ الهيمنة العسكرية. كما رفضت الصين وروسيا في بيانهما المشترك محاولات بعض الدول لاستخدام الفضاء كساحة مواجهة عسكرية، ورفضتا السياسات الأمنية التي تستهدف تحقيق التفوق العسكري واعتبار الفضاء "ميدانًا للمعركة".

نقد صيني صريح: "اخرجوا من الستار الحديدي الذهني"

وفي معرض رد وزارة الدفاع الصينية على خطة "القبة الذهبية"، صرّح المتحدث وو تشيان، في مؤتمر صحفي دوري عقد في شباط/فبراير 2025، قائلاً: "ما تحتاجه الولايات المتحدة ليس قبة حديدية، بل الخروج من الستار الحديدي الذي يقيّد تفكيرها". وأضاف أن الصين تطالب الولايات المتحدة بالتخلي عن عقلية الحرب الباردة، والتوقف عن الترويج لتهديدات زائفة من دول أخرى، والتوقف عن إثارة المواجهة العسكرية.

المشروع يفوق "حرب النجوم".. ولكن الميزانية لا تكفي

قال سونغ إن مشروع "القبة الذهبية" من الناحية التقنية يتجاوز حتى مشروع "حرب النجوم" الذي أطلقه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان من حيث الحجم والنطاق، لكنه أشار إلى أن الميزانية المعلنة البالغة 175 مليار دولار "غير واقعية على الإطلاق" وتشكل جزءًا بسيطًا من التكلفة الفعلية المتوقعة. وخلص إلى أن السعي الأميركي للهيمنة على الفضاء باعتباره "المرتفَع الاستراتيجي" يفضح النوايا الحقيقية وراء هذا المشروع.