-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
"بلادكم آمنة عودوا إليها".. بريطانيا ترفض طلبات لجوء أوكرانية
"بلادكم آمنة عودوا إليها".. بريطانيا ترفض طلبات لجوء أوكرانية
-
27 يونيو 2025, 12:43:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أثارت صحيفة الجارديان البريطانية قضية رفض وزارة الداخلية طلبات لجوء أوكرانيين فرّوا إلى المملكة المتحدة هرباً من الغزو الروسي، بحجة أن العودة إلى أوكرانيا آمنة. هذا الموقف يسلّط الضوء على مفارقة واضحة: دولة تزعم دعم كييف في مواجهة موسكو، لكنها في الوقت نفسه تغلق الباب أمام لاجئين يطلبون الحماية.
حجج الرفض الرسمية
تستند قرارات الرفض، وفق رسائل رسمية، إلى تقييم تعتبره الوزارة "موضوعياً" يفيد بإمكانية انتقال الأوكرانيين إلى مناطق أكثر أماناً داخل بلدهم، مثل كييف أو غرب أوكرانيا. وتقول وزارة الداخلية إن المخاطر المرتبطة بالحرب لا ترقى إلى مستوى "الاضطهاد" بموجب اتفاقية اللاجئين. كما تُذكّر المرفوضين بوجود خدمات عامة في تلك المناطق، وبإمكانية طلب العون من مفوضية اللاجئين والمنظمات المحلية لتجنّب الفقر.
هذا الخطاب يعكس مقاربة قانونية ضيقة تتجاهل واقع الحرب المستمرة، وتُحمّل الفارين عبء إثبات انعدام أي ملاذ داخلي آمن، في ظل نزاع لا يمكن التنبؤ بتوسع رقعته أو شدة هجماته.
شهادات ومحامون: تجاهل للواقع
على الأرض، يبدو هذا التقييم الرسمي منفصلاً عن تجارب اللاجئين. تنقل الصحيفة شهادة مواطن أوكراني رُفض طلبه على أساس إمكانية الانتقال إلى منطقة أخرى في أوكرانيا، رغم أن بلدته الأصلية تقع في قلب النزاع.
شركة "ستيرلينغ لو" للمحاماة، التي تمثل عدداً من هؤلاء المرفوضين، تؤكد تلقيها اتصالات أسبوعية من أوكرانيين، بينهم نساء وأطفال في أوضاع خطرة. هذه الطلبات المرفوضة تتحول إلى طعون قانونية تطيل الانتظار وتترك أصحابها في حالة من القلق وعدم اليقين لعدة أشهر.
المحامية هالينا سيمتشاك وصفت ذلك بـ"اتجاه مقلق ومتزايد"، معتبرة أنه نتيجة مباشرة لتحديثات أُدخلت في يناير/كانون الثاني على إرشادات وزارة الداخلية، والتي صارت تصنف مناطق مثل كييف وغرب أوكرانيا باعتبارها "آمنة بشكل عام".
لكن سيمتشاك ترى أن هذا التقييم "يتناقض مع الواقع"، مذكرة بتصاعد الهجمات مؤخراً، وبمخاطر القصف، والتجنيد الإجباري، وتمزق الأسر، والصدمات النفسية. وتعتبر أن قرارات الرفض تتجاهل تعقيد الوضع الميداني والظروف الفردية، في خرق محتمل للمواد 3 و8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تحمي الحق في الحرية والأمان من الأذى.
أزمة قانونية وإنسانية
القضية لا تتعلق فقط بسؤال أمني أو إداري، بل تكشف عن أزمة قانونية وأخلاقية أوسع في نظام اللجوء البريطاني. التحديثات الأخيرة على الإرشادات الحكومية قد تكون محاولة واضحة لتقليص عدد المقبولين، تحت ضغط سياسي داخلي يطالب بتشديد الحدود وتقليص الهجرة.
إلا أن هذه المقاربة تعرض المملكة المتحدة لاتهامات بالنفاق: فهي تدّعي دعم أوكرانيا عسكرياً وسياسياً في مواجهة روسيا، لكنها في الوقت نفسه تتنصل من التزاماتها الإنسانية تجاه المدنيين الهاربين من ويلات تلك الحرب نفسها.
كما أن اعتماد معيار "النزوح الداخلي الآمن" يفترض وجود قدرة الدولة الأوكرانية على توفير الحماية والخدمات بشكل متساوٍ، وهو افتراض لا تؤيده الوقائع، خاصة في ظل دمار واسع النطاق، وتوتر أمني متصاعد، وعمليات تعبئة إجبارية.
رد وزارة الداخلية
في مواجهة الانتقادات، دافع متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية عن السياسة الحالية، مؤكداً أن المملكة المتحدة "عرضت أو مددت اللجوء لأكثر من 300 ألف أوكراني" عبر برامج مثل "منازل لأوكرانيا".
وشدد على أن "جميع طلبات اللجوء وحقوق الإنسان تُدرس بعناية فائقة، وفقاً لحيثياتها الفردية"، مضيفاً أن أحداً لن يُجبر على العودة إذا كان يواجه خطراً جسيماً.
لكن هذا الرد الرسمي لا يبدد مخاوف المحامين والمدافعين عن حقوق اللاجئين، الذين يعتبرون أن التغييرات الأخيرة في السياسات والإرشادات تعكس اتجاهاً متعمداً للحد من قبول طلبات اللجوء، وتخلياً عن مسؤولية قانونية وأخلاقية أوسع تجاه ضحايا حرب مستمرة.
تكشف هذه القضية عن تناقض عميق في سياسة الهجرة البريطانية: خطاب علني متضامن مع أوكرانيا يقابله نهج رسمي يقنن رفض الحماية لمستضعفين فرّوا من الحرب.
إنها معضلة تُذكّر بمآزق أوسع في سياسات اللجوء الأوروبية، حيث تتصادم الاعتبارات الإنسانية والقانونية مع الضغوط الشعبوية الداخلية، وتكون النتيجة في كثير من الأحيان هي خذلان الفارين من النزاعات.
في النهاية، ما يبدو "آمناً" على الورق قد يكون جحيماً واقعياً، وهو ما يجعل دعوات مراجعة هذه السياسات ضرورية ليس فقط لحماية حقوق اللاجئين، بل أيضاً للحفاظ على مصداقية القيم التي تزعم الدول الدفاع عنها.





