المساعدات رهينة الحصار والكراهية

كيف تتآزر حكومة الاحتلال والمستوطنون لتجويع غزة وتدميرها؟

profile
  • clock 21 مايو 2025, 9:57:33 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

في الوقت الذي تعلن فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن إدخال شاحنات مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، يقف المستوطنون على الحاجز ذاته للتظاهر وعرقلة مرور تلك الشاحنات، في مشهد يعكس تجذّر الكراهية والعنصرية في عمق المجتمع الإسرائيلي، لا فقط في قيادته اليمينية المتطرفة. هذه التظاهرات المستمرة لليوم الثالث على التوالي ليست سوى امتداد لسياسة الحصار التي تمارسها حكومة الاحتلال بغطاء قانوني، بينما يستكمل الشارع الإسرائيلي، عبر مستوطنيه، الدور الأخطر: تحويل الجريمة إلى ثقافة عامة.

مساعدات وهمية.. ونيات خبيثة

في الوقت الذي يتعرض فيه أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة لخطر الموت جوعاً، تروج "إسرائيل" لدخول كميات محدودة من المساعدات كدليل على "تخفيف الحصار"، بينما الحقيقة - كما أكدت منظمة "أطباء بلا حدود" - أن هذه الكميات الضئيلة ما هي إلا ستار للتملص من تهم تجويع المدنيين، ومحاولة يائسة لإضفاء شرعية إنسانية على حصار غير إنساني. بحسب المنظمة، فإن إدخال المساعدات بهذا الشكل لا يهدف إلى إنقاذ أرواح، بل إلى تبييض صورة دولة تحتجز أكثر من 116 ألف طن من الغذاء على الحدود، وتمنع عن سبق إصرار مرور ما يسد رمق الجوعى والمرضى.

تدمير النظام الصحي.. جريمة مستمرة

ولم يتوقف الأمر عند الغذاء، بل امتد إلى تدمير ممنهج للنظام الصحي في غزة. فخلال الأسبوع الماضي فقط، تم تدمير أو إغلاق نحو 20 منشأة طبية جزئيًا أو كليًا، في إطار حملة إسرائيلية متكاملة تهدف إلى إضعاف المجتمع الفلسطيني من كل جوانبه، ليس فقط عسكريًا، بل إنسانيًا ومدنيًا أيضًا. "أطباء بلا حدود" وصفت هذه الاستراتيجية بأنها جزء من حملة تطهير عرقي متكاملة، تستخدم فيها "إسرائيل" المساعدات كسلاح، إما لتجويع من تبقى من الفلسطينيين، أو لتركيعهم قسرًا.

المجتمع الإسرائيلي شريك في الجريمة

إذا كانت حكومة الاحتلال تخطط وتنفذ، فإن المجتمع الإسرائيلي يشارك ويهلل. مشهد المستوطنين وهم يقفون بوقاحة على الطرقات لإيقاف شاحنات الغذاء والدواء المتوجهة لغزة، هو دليل إضافي على أن التطرف في "إسرائيل" ليس ظاهرة سياسية مرتبطة بزمن معين أو حكومة بعينها، بل هو بنية فكرية عميقة تغذيها التربية والتعليم والإعلام، وتدفع بها باتجاه مزيد من التصعيد الدموي. المستوطن الذي يعيق دخول الغذاء اليوم هو ذاته الذي غداً سيدفع نحو إبادة جماعية دون أن يطرف له جفن.

 

إبادة جماعية مستمرة تحت غطاء الدعم الغربي

منذ السابع من أكتوبر 2023، تتواصل المجازر في قطاع غزة على يد جيش الاحتلال، بدعم سياسي وعسكري من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية. أكثر من 174 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود تحت الأنقاض، هم نتاج سياسة ممنهجة للإبادة الجماعية، تُمارس بعلم العالم، وبصمت دولي يكاد يرقى إلى التواطؤ. وحتى اتفاقيات وقف إطلاق النار، التي يُروّج لها كفُرص للتهدئة، لم تكن سوى فواصل زمنية قصيرة في مسار طويل من التنكيل والقصف والتجويع.

هل العالم شريك في المجاعة؟

مع استمرار الحصار واحتجاز الغذاء ومنع الإغاثة، وتحريض الشارع الإسرائيلي على منع المساعدات، يبرز سؤال أخلاقي لا يمكن تجاهله: من يتحمل مسؤولية هذه المجاعة المفتعلة؟ وهل يكفي للمجتمع الدولي إصدار بيانات شجب، بينما يموت الأطفال جوعًا أمام أبواب المعابر المغلقة؟

الإجابة تكشفها الأرض: في غزة يموت البشر ليس لأن الطعام غير موجود، بل لأن هناك من يمنع وصوله عمداً، وهناك من يتواطأ بصمته.

في غزة، لا يُحاصر الإنسان فقط، بل يُستهدف في إنسانيته، في طعامه، في دوائه، وفي حقه في الحياة. وإن كان المستوطنون يقفون اليوم لقطع شاحنات المساعدات، فإن "إسرائيل" كلها – بحكومتها وجيشها ومجتمعها – تقف لإكمال جريمة الإبادة بحق شعب أعزل، صامد رغم الجوع والموت.

التعليقات (0)