-
℃ 11 تركيا
-
18 أغسطس 2025
المحكمة الجنائية الدولية والجدل حول محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي
بن غفير وسموتريتش على لائحة الانتظار
المحكمة الجنائية الدولية والجدل حول محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي
-
17 أغسطس 2025, 6:09:09 م
-
419
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المحكمة الجنائية الدولية
محمد خميس
يتواصل الجدل الدولي والإقليمي حول قدرة المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي المتورطين في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة بحق الشعب الفلسطيني. ومع تداول تقارير عن قرب إصدار مذكرات اعتقال بحق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يعود السؤال إلى الواجهة: هل تستطيع المحكمة تجاوز الضغوط السياسية والأمنية، وتثبت استقلالها كجهة قضائية لا تعرف الاستثناءات؟
المحكمة الجنائية الدولية بين القانون والسياسة
منذ تأسيسها عام 2002، وُجدت المحكمة الجنائية الدولية كأعلى هيئة قضائية دولية مختصة بمحاسبة الأفراد على جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. إلا أن تجربتها العملية ظلت محفوفة بالانتقادات، حيث اتهمت مراراً بالانتقائية والخضوع للتوازنات السياسية.
في الحالة الفلسطينية، يبرز هذا التناقض بشكل واضح، فبينما تؤكد المحكمة أن ولايتها تشمل الأراضي الفلسطينية باعتبارها عضواً في نظام روما الأساسي منذ عام 2015، تواجه في الوقت نفسه حملة ضغوط هائلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل لتعطيل أي مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين.
مذكرات سابقة فتحت الباب
كان إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالنت، لحظة غير مسبوقة في التاريخ القانوني الدولي. فقد أعاد ذلك الأمل لضحايا الاحتلال بأن العدالة يمكن أن تتحقق ولو بعد حين. لكن الجدل ظل قائماً حول آليات التنفيذ، في ظل غياب قوة دولية ملزمة بتنفيذ قرارات المحكمة.
بن غفير وسموتريتش على لائحة الانتظار
التقارير الأخيرة التي تحدثت عن قرب إصدار مذكرات اعتقال بحق وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تعكس إدراكاً دولياً متزايداً لخطورة ممارسات هؤلاء القادة. فهما يمثلان تياراً سياسياً يدعو علناً إلى التهجير القسري للفلسطينيين، وتوسيع الاستيطان، وتشديد الحصار، وهي ممارسات تندرج قانونياً ضمن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستكون المحكمة على قدر التحدي وتصدر المذكرات فعلاً، أم أن الضغوط السياسية ستؤدي إلى تجميد الملف كما حدث في قضايا أخرى؟
الضغوط الدولية ومحاولة تقويض المحكمة
الولايات المتحدة أعلنت أكثر من مرة رفضها لأي خطوة تستهدف قادة الاحتلال الإسرائيلي، بل وصل الأمر في بعض المراحل إلى فرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية. أما الاتحاد الأوروبي، فيقف بين الموقفين: دعم مبادئ العدالة الدولية من جهة، وعدم الرغبة في التصادم مع إسرائيل من جهة أخرى.
هذا المشهد يضع المحكمة في اختبار حقيقي: إما أن تثبت أنها مؤسسة قضائية مستقلة، أو تتحول إلى مجرد أداة سياسية تخضع لموازين القوى الدولية.
حقوق الفلسطينيين والعدالة المؤجلة
الفلسطينيون الذين عاشوا عقوداً من الاحتلال، يرون في المحكمة الجنائية الدولية الأمل الأخير لإحقاق العدالة. فالمجازر في غزة، والاستيطان في الضفة الغربية، وسياسات التهجير، جميعها جرائم موثقة بشهادات وأدلة لا تقبل التشكيك. لكن من دون آليات تنفيذية، تبقى القرارات حبراً على ورق، فيما يواصل الاحتلال جرائمه بلا رادع.
العدالة الدولية بين الواقع والطموح
إذا صدرت مذكرات بحق بن غفير وسموتريتش، فستكون تلك خطوة رمزية مهمة، حتى لو لم تُنفذ فوراً. فالقرار بحد ذاته يضع هؤلاء المسؤولين في خانة الملاحقة الدولية، ويعزلهم سياسياً ويقيّد حركتهم. لكن التحدي الأكبر يبقى في تحويل هذه المذكرات إلى إجراءات عملية تضع حداً لسياسة الإفلات من العقاب التي تمارسها إسرائيل منذ عقود.
اجتماع أركان الاحتلال وتصعيد ميداني
بالتوازي مع هذا الجدل القانوني، عقد رئيس أركان جيش الاحتلال اجتماعاً للتصديق على خطة جديدة تستهدف احتلال غزة بشكل كامل، وهو ما يعكس أن القيادة الإسرائيلية ماضية في خيار التصعيد العسكري بدل الاستجابة للمساءلة القانونية الدولية. هذه الخطط تزيد من أهمية تدخل المحكمة، لأنها تمثل دليلاً إضافياً على النية المسبقة لارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين.
تجد المحكمة الجنائية الدولية نفسها اليوم أمام لحظة فارقة. فإما أن تكتب صفحة جديدة في تاريخ العدالة الدولية عبر إصدار وتنفيذ مذكرات توقيف بحق قادة الاحتلال الإسرائيلي، أو أن تسقط في فخ الانتقائية وتفقد ما تبقى من مصداقيتها.
وبين الضغوط السياسية والرهان على استقلال القضاء، يبقى الشعب الفلسطيني الضحية الأكبر، منتظراً عدالة مؤجلة قد تأتي عبر المحكمة الجنائية الدولية، أو عبر إرادة الشعوب الحرة التي ترفض منطق الإفلات من العقاب.









