السودان: حزب البشير يلوّح بالعودة من بوابة الحرب.. ودعم مفتوح للجيش حتى إشعار آخر

profile
  • clock 26 يوليو 2025, 2:26:47 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في تطور سياسي يعكس تعقيدات المشهد السوداني المتفجر، أكد قادة في "الحركة الإسلامية السودانية" التي أُطيح بها في ثورة 2019 أنهم قد يدعمون استمرار حكم الجيش لفترة طويلة، في ظل رغبتهم في العودة إلى الساحة السياسية، بعد انخراطهم المباشر في الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع. وبحسب تقرير موسّع لوكالة "رويترز"، فإن هذه العودة المحتملة تأتي مدفوعة بمشاركة آلاف من عناصرهم في المعارك، ورغبتهم في استثمار التقدم العسكري الأخير للجيش لصالح ترتيب سياسي جديد يُعيدهم إلى السلطة من بوابة صناديق الاقتراع.

دعم عسكري معلن

رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل، أحمد هارون، والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بدارفور، قال من مكان اختبائه في شمال السودان إن حزبه لن يعود إلى الحكم إلا عبر انتخابات تُنظم بعد انتهاء الحرب، لكنه أشار إلى أن الجيش يجب أن يحتفظ بسيطرته على الشأن السيادي نظراً لـ"التهديدات الأمنية والتدخل الخارجي"، بحسب تعبيره.

هارون رفض الكشف عن أعداد المقاتلين الإسلاميين المشاركين في الحرب، لكنه لم يُنكر وجودهم، مؤكداً أن دعمهم للجيش يأتي استجابةً لدعوة التعبئة العامة. وبينما تُظهر وثائق داخلية لحزبه حصول الجيش على دعم يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل إسلامي، فإن مصادر عسكرية قالت إن العدد الحقيقي ربما يصل إلى خمسة آلاف، موزعين على وحدات النخبة، خصوصاً في الخرطوم، ويخضعون لتدريب عسكري كثيف بإشراف قيادات إسلامية عسكرية سابقة.

إعادة التموضع داخل الدولة

ورغم نفي الجيش أي تحالفات سياسية، إلا أن مصادر داخلية ومراقبين محليين أكدوا أن الإسلاميين استطاعوا مجدداً التغلغل في مفاصل الدولة، خصوصاً في الإدارات المدنية التابعة لحكومة التكنوقراطي كامل إدريس التي عُينت في مايو الماضي. وتقول رويترز إن هذا الامتداد الإسلامي داخل جهاز الدولة، رغم الحظر القانوني على حزب المؤتمر الوطني، يعكس تحولاً في التوازنات، ويكشف عن تقاطع جديد بين مصالح المؤسسة العسكرية والإسلاميين، في مواجهة قوات الدعم السريع.

وعلّق أحد مستشاري قوات الدعم السريع قائلاً: "الإسلاميون هم من يديرون الحرب، وهم من أشعلوها، ويسيطرون الآن على قرار الجيش". من جهته، يسعى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لتحقيق توازن دقيق بين رفض عودة حزب البشير علناً، وبين قبوله بالدعم العسكري والإداري الذي تقدّمه شبكات الحركة الإسلامية.

شبكة تعبئة وكتائب ميدانية

إلى جانب الدعم العسكري، توفر الحركة الإسلامية السودانية أيضاً أذرع تعبئة وتنظيم، أبرزها "كتيبة البراء بن مالك"، وهي وحدة قتالية مستقلة يقودها المهندس أويس غانم، أحد القادة الميدانيين الذين خاضوا معارك شرسة في الخرطوم. وقال غانم لرويترز إنه أُصيب ثلاث مرات خلال المعارك، مؤكداً أن كتيبته تقاتل تحت إشراف الجيش وتحصل منه على الدعم اللوجستي والأسلحة، لكنه نفى أن تكون المعركة من أجل عودة الإسلاميين إلى السلطة، بل لـ"صد عدوان قوات الدعم السريع"، على حد وصفه.

وبينما تؤكد مصادر في الجيش أن الكتيبة ستُدمج لاحقاً في صفوف القوات النظامية لتجنب تكرار تجربة "قوات الدعم السريع"، تتهم منظمات حقوقية هذه الوحدة بارتكاب انتهاكات واسعة، بما في ذلك القتل خارج القانون، وهي اتهامات نفاها قادتها.

حلفاء متوجسون وخشية من الانتكاس

صعود الإسلاميين مجدداً يثير قلقاً داخلياً وخارجياً، ويفتح الباب أمام مواجهة محتملة مع القوى الإقليمية، لا سيما دولة الإمارات التي تبدي حساسية واضحة تجاه أي نفوذ إسلامي في السودان. كما يُنذر هذا الصعود بانتكاسة لمسار الانتقال الديمقراطي الذي بدأ عام 2018، خاصة بعد الاتهامات التي وُجهت لحكومة إدريس بإعادة تعيين شخصيات إسلامية في مواقع مؤثرة.

وتؤكد مصادر غربية أن بعض دوائر صنع القرار داخل الجيش ترى في المرحلة الحالية "فرصة" لإعادة ضبط التحالفات الداخلية في السودان، وربما وضع أسس جديدة لدور الجيش في السياسة، في وقت لم يَعُد فيه سيناريو الحكم المدني الخالص مرجحاً، بالنظر إلى الهشاشة الأمنية وتفاقم التدخلات الخارجية، كما يبرر الإسلاميون والجيش معاً.

على أبواب الانتخابات أم نهاية الانتفاضة؟

فيما يلوّح هارون وفصائل الحركة الإسلامية بالعودة عبر الانتخابات، يخشى معارضون سياسيون أن يكون هذا مجرد غطاء لبسط سيطرتهم على الدولة مجدداً، في تكرار لنموذج الانقلاب الناعم الذي نفذته "قوات الدعم السريع" نفسها عام 2021 مع الجيش. ومع تصاعد القتال في دارفور وكردفان وتفاقم الأزمة الإنسانية التي تصفها الأمم المتحدة بأنها الأكبر في العالم اليوم، يُطرح السؤال: هل الحرب الراهنة هي معركة وجود حقيقية للجيش والإسلاميين ضد خصم مشترك، أم معركة تقاسم نفوذ، سينتهي بتقويض ما تبقّى من روح انتفاضة 2018؟

الجواب، كما يبدو، سيكون رهناً بما ستفرزه ميادين القتال، والتحالفات التي تتبلور بهدوء خلف دخان الحرب.

التعليقات (0)