-
℃ 11 تركيا
-
26 أغسطس 2025
الدكتور خالد فضيل: الإبتكار أساس النضال الجمعي و التضامن المؤسس عماده
الجزء الثاني / حوارات الخبير محند أمقران
الدكتور خالد فضيل: الإبتكار أساس النضال الجمعي و التضامن المؤسس عماده
-
25 أغسطس 2025, 4:41:51 م
-
433
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الدكتور خالد فضيل
نواصل في هذا الجزء الثاني من حوارنا مع الأكاديمي و المناضل الجمعي الدكتور خالد فضيل ،تسليط الضوء على عمل الجمعيات و نضالاتها كبنية أساسية من بنيات المجتمع المدني الجزائري ، معضلات العمل الجمعي، تمويل الجمعيات، مفهوم التضامن كمؤسس للنضال الجاد، متابعة آثار العمل الجمعي و مستقبل هذه النضالات في السياق الجزائري .
▪︎على المستوى الجمعي نلاحظ تواجد لجمعيتكم خاصة على مستوى التحسيس و التوعية و التكوين ،على خلاف جمعيات عديدة كيف توازنون بين هذا المسعى الحميد اتجاه المجتمع و محدودية امكانياتكم المادية و المالية خاصة ؟
صحيح أن محدودية الإمكانيات المالية تمثل تحديًا كبيرًا، لكننا في Oxy-Jeunes اخترنا أن يكون رأس مالنا الأساسي هو الإنسان ، أي كفاءات الشباب وحماسهم للتطوع. هذا ما سمح لنا بالاستمرار رغم غياب التمويل الكبير. كيف لا وقد اشتغلت الجمعية في بدايتها بصفر دينار لمدة ثلاث سنوات.
على سبيل المثال، في حملة التوعية بخطر الحرائق في صيف2021 وصيف 2023، ، اعتمدنا على شراكات مع المدارس والجمعيات المحلية، ونجحنا في الوصول إلى مئات العائلات والمواطنين باستخدام وسائل بسيطة مثل الملصقات، حملات رقمية، وورشات توعوية.
كما قمنا بتنظيم دورات تكوينية في فرز النفايات وإعادة التدوير، وتقوية قدرات الشباب في المواطنة البيئية بالتعاون مع بعض مؤسسات الشباب، دون تكلفة عالية، بل بالإعتماد على خبرات متطوعينا.
نراهن دائمًا على الابتكار بدل الموارد المالية: استغلال الفضاءات العمومية و الطبيعة الخلابة بدل القاعات المستأجرة، الشراكات بدل التمويل التقليدي، واستخدام وسائل التواصل الإجتماعي كمنصة قوية للتحسيس. دون نسيان نشاطنا على مستوى الإعلام ، الإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية.
قناعتنا أن التغيير الحقيقي لا يتحقق بالأموال فقط، بل بخلق ديناميكية مجتمعية تشرك المواطن في الحلول، وهذا ما جعلنا نحافظ على حضورنا الميداني القوي.
▪︎النضالات الجمعية هي في صميم المواطنة الفعالة كيف تقيمون أداءات الجمعيات الجزائرية عموما على المستوى الاجتماعي ،البيئي و الثقافي ؟ هل لها أثر على المدى القصير و المتوسط؟ و هل يمكننا الحديث عن نشاط مستدام أو بالأحرى أثر مستدام لنشاطات الجمعيات في المجتمع الجزائري ؟
كذلك تشتغلون على المستوى المحلي و في إطار جواري يضمن لكم التأثير الفعلي ورصد التأثير في الجماهير المستهدفة ، ماهي معايير رصد هذا التأثير ؟
النضال الجمعوي بالفعل هو مدرسة المواطنة، ونحن مقتنعون بذلك، الجمعية هي مصنع الديمقراطية ومحرك المواطنة والتنمية ، لكن تقييم أداء الجمعيات في الجزائر يتطلب نظرة موضوعية. على المستوى الإجتماعي والبيئي والثقافي، يمكن القول إن هناك ديناميكية واضحة، خصوصًا بعد الحراك الشعبي الذي أعاد إحياء دور المجتمع المدني، وبادرت السلطات بتسهيل حصول الجمعيات على الإعتماد ، وزاد عدد الجمعيات في الجزائر من 90 الف جمعية الى 140 ألف جمعية بعد 2019، لكن هذه الديناميكية تواجه تحديات كبيرة.
أولاً: الأداء الحالي
الجانب الاجتماعي: هناك جمعيات فعالة في التضامن، محاربة الفقر، ودعم الفئات الهشة، خصوصًا في الأزمات مثل جائحة كورونا وحرائق الغابات.
الجانب البيئي: برزت مبادرات قوية مثل حملات التشجير، فرز النفايات، والتحسيس بمخاطر التلوث، لكنها غالبًا تبقى موسمية وغير مرتبطة بخطط طويلة المدى. وظهور صفحات فايسبوكية تعنى بمجال البيئة والتشجير.
الجانب الثقافي: رغم وجود نشاط ملحوظ في تنظيم الفعاليات الثقافية، إلا أنه يظل محصورًا في المدن الكبرى.
على المدى القصير، نرى أثرًا ملموسًا: حملات تنظيف، حملات توعية، تضامن اجتماعي في الأزمات. لكن المشكلة في غياب الاستدامة المؤسسية . معظم النشاطات مرتبطة بمناسبات أو مبادرات فردية، وليست مدمجة في سياسات عامة.
حتى الآن، يصعب الحديث عن أثر مستدام بالمعنى الحقيقي، لأن ذلك يتطلب:
-إطار قانوني قوي يمنح الجمعيات حرية المبادرة وشفافية التمويل.
-بناء قدرات الجمعيات من حيث التسيير والتخطيط الاستراتيجي.
- شبكات تعاون بين الجمعيات لخلق قوة تأثير جماعي بدل الجهود الفردية.
إذا توفرت هذه الشروط، يمكن أن تتحول الجمعيات من منطق “الحدث” إلى منطق “السياسة العمومية الموازية”، وتصبح شريكًا استراتيجيًا في التنمية المحلية والبيئية.
▪︎تشتهر جمعيتكم بنشاط دؤوب و ابداع من خلال نشاطاتها ، تكوين سفراء البيئة يبقى نشاطا رائدا و ذو أثر تعدى حدود الوطن . كيف تقيمون التجربة ؟
تجربة "سفراء البيئة" هي واحدة من أنجح المبادرات التي أطلقناها في جمعية Oxy-Jeunes لأنها تقوم على فكرة تمكين الشباب وتعزيز قدراتهم بدل الاكتفاء بتوعيتهم. الفكرة انطلقت من قناعة بسيطة: حماية البيئة ليست مهمة الجمعيات وحدها، بل مسؤولية جماعية، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي تكوين قادة شبان واطارات جمعوية وجامعية يحملون الرسالة في محيطهم.
قمنا بثلاث تكوينات ، الاولى كمرحلة تجريبية سنة 2018، و الثانية سنة 2019، بامكانيات محدودة، ثم سنة 2021, بدعم و رعاية وزارة الشباب و الرياضة في إطار المخطط الوطني للشباب، وتم تكوين في النسخ الثلاث 60 سفيرا للبيئة قاموا جميعاً بامضاء "ميثاق سفير البيئة" الذي هو التزام اخلاقي باستعمال التجربة في خدمة البيئة ومشاركة التجربة في المحيط المباشر لكل مشارك.
من خلال هذا البرنامج، تمكنا من تكوين عشرات السفراء في مختلف الولايات ، منحناهم الأدوات المعرفية والبيداغوجية والتواصلية ليكونوا فاعلين حقيقيين في أحيائهم، مدارسهم، وجامعاتهم. الجميل في التجربة أنها لم تبق محلية فقط، بل امتدت عبر شبكات التعاون إلى تبادل خبرات مع جمعيات محلية ووطنية وحتى دولية حتى في ما أعطاها بعدًا دوليًا. خاصة وأن الترشح التكوين سنة 2021 وصلتنا طلبات من ايطاليا واسبانيا وتونس..
التقييم العام للتجربة إيجابي للغاية، لأنها خلقت ديناميكية مضاعفة : كل سفير يصبح بدوره مكونًا ومبادرًا، وهذا يضمن الإستدامة والتأثير بعيد المدى. هدفنا المقبل هو توسيع الشبكة وإنشاء شبكة وطنية ومنصة رقمية للسفراء لتبادل التجارب وتطوير مهاراتهم.
▪︎ماهي نظرتكم لمستقبل المجتمع المدني في الجزائر من حيث فعالية الأداء ؟
بحكم تجربتي، أرى أن المجتمع المدني في الجزائر يقف اليوم أمام منعطف حاسم. هناك وعي متزايد لدى الشباب بأهمية المبادرة، وهذا مؤشر إيجابي للغاية، لكن الفعالية الحقيقية تتطلب المرور من منطق العمل المناسباتي إلى منطق التأثير المستدام والسياسات المحلية، وجعل الجمعيات شريكا ليس فقط في تطبيق السياسات العمومية لكن حتى في تصميمها لتتحول إلى قوة اقتراح حقيقية..
حسب رأيي، المستقبل سيكون واعدًا إذا توفرت ثلاثة شروط أساسية:
1. تعزيز الإطار القانوني والتمويلي لضمان استقلالية الجمعيات وشفافية عملها. ونحن في انتظار القانون العضوي الجديد الذي ساهمنا في اثراء مشروعه ولكن لم يصدر إلى اليوم في الجريدة الرسمية.
2. الاحترافية في التسيير والتخطيط بدل الارتجال، عبر تكوين القيادات الجمعوية. وتكثيف ورشات تعزيز وتقوية القدرات.
3. تسهيل اجراءات الشراكة مع المؤسسات العمومية والقطاع الخاص في إطار واضح، يجعل الجمعيات شريكًا استراتيجيًا في التنمية المستدامة.
إذا نجحنا في ذلك، يمكن للمجتمع المدني في الجزائر أن يتحول من مجرد فاعل ثانوي، إلى قوة اقتراح وناقد بناء وضغط إيجابي، قادرة على مرافقة التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر.
وككلمة أخيرة في هذا الحوار، اجدد شكري لكم على هذه الفرصة وهذا الفضاء للتعبير الجاد والقيم.. وككلمة اخيرة رسالتي بسيطة وواضحة: التغيير يبدأ منا جميعًا، البيئة، العمران، والمدينة ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل مسؤولية جماعية. لكل واحد منا دور، مهما كان بسيطًا، في بناء فضاء صحي وآمن ومستدام.
أقول للشباب: لا تنتظروا الفرص، اصنعوها. المبادرة، مهما كانت صغيرة، قادرة على إحداث فرق كبير إذا تكررت وانتشرت.
وللمجتمع أقول: التعاون والتضامن هما قوتنا الحقيقية، فلنجعل من جمعياتنا فضاءات للأمل والعمل المشترك، لا مجرد واجهات مناسباتية. معًا، يمكننا أن نصنع مدنًا أفضل، بيئة نظيفة، ومستقبلًا يليق بنا وبأجيالنا القادمة.

.jpeg)





