-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب: أبو عبيدة واخوان الصدق...وإعادة تعريف العروبة من جديد
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب: أبو عبيدة واخوان الصدق...وإعادة تعريف العروبة من جديد
-
22 يوليو 2025, 11:25:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في زمن التواطؤ المكشوف، لم تعد الخيانة تُخجل أصحابها، ولم يعد العار يُغطى بالبيانات، ولا التطبيع يُموّه بشعارات السلام، في هذا الزمن العربي المكسور، تتكلم غزة نيابة عن الأمة، وتطلق صرختها من تحت الركام، لا لتستجدي الرحمة، بل لتفضح الصمت وتدين الخذلان وتُحيي من بقي فيه نبض مقاومة، وفي هذا المشهد الدموي الذي يذبح فيه أطفال فلسطين ببطء وعلى الهواء مباشرة، خرج أبو عبيدة، لا ليقدّم بيانًا عسكريًا، بل ليقدّم جردة حساب قيميّة للأمة، ويكشف من بقي في خندقها، ومن ارتضى الجلوس في خنادق الخيانة والمساومة.
خطابه الأخير لم يكن عابرًا، ولم يكن من تلك الخطابات التي تُلقى لتُنسى، لقد كان خطابًا مركزيًا في معركة الوعي، صاغ كلماته كمن يُطلق قذائف فكرية وسياسية موجهة بدقة، لا إلى العدو وحده، بل إلى أولئك الذين ما زالوا يلبسون عباءات العروبة ويتصدرون الشاشات ليبرروا العجز باسم الواقعية، أو يُجمّلون الخيانة بزينة المصلحة القومية، لكنه لم يُسمّهم بأسمائهم، بل أشار إليهم حين استثنى من بينهم اليمن.
فمن وسط ركام المشهد العربي المتآكل، أطلّ اليمن، كاستثناءٍ شجاع وسط العواصم الصامتة، انه إعلانًا صريحًا بأن اليمن خرج من هامش المشهد العربي ليتقدم إلى موقع القلب في محور المقاومة لم يكتفِ بالبيانات، ولم يُلقِ خطبًا إنشائية، بل نقل المعركة إلى البحر الأحمر، وأطلق صواريخه ومسيّراته، وضرب مصالح العدو في العمق، وأربك حساباته الاقتصادية، في وقت كانت فيه كثير من الأنظمة تفتح أجواءها لطائرات العدو وتغلقها أمام أبناء غزة.
اليمن اليوم، برغم حصاره وجراحه الداخلية، لم يتردد في اتخاذ موقف عملي من العدوان على غزة، بل ذهب أبعد من المأمول حين ربط أمن البحر الأحمر بإيقاف المجازر الإسرائيلية، وفرض معادلة اشتباك جديدة لم يسبق أن عرفتها المنطقة، لم يتحدث فقط عن فلسطين، بل قاتل من أجلها، لم يُظهر تضامنًا إعلاميًا، بل أثبت فعله في الميدان، وأصبح باعتراف الجميع "الحجة الدامغة" على كل من اكتفى بالصمت أو التبرير أو انتظار المفاوضات العقيمة.
بهذا الوضوح، فرز أبو عبيدة الأمة إلى فسطاطين لا ثالث لهما: فسطاط الفعل والمواجهة، وفسطاط التخاذل والتواطؤ، لم يعد هناك حياد، ولم يعد السكوت مقبولًا، ولم تعد الشعارات تنفع، غزة تنزف و تموت جوعا، واليمن يُقاتل، والعدو يتمدد، والعرب المطبّعون يشيدون فنادق للجنود الإسرائيليين في عواصمهم بينما تُهدم البيوت على رؤوس النساء والأطفال في رفح وجباليا وخان يونس.
ما فعله أبو عبيدة هو إعادة تعريف العروبة من جديد ليس كل من تحدث العربية عربيًا، وليس كل من لبس الكوفية فلسطينيًا، معيار الكرامة اليوم هو الفعل، ومعيار الشرف هو الموقف، ومعيار الانتماء هو الاستعداد للتضحية لا المساومة، والذين خذلوا غزة لن يغفر لهم التاريخ، ولا شاشات الإعلام المموّلة ستغسل دم الأبرياء عن جباههم.
ورغم كل المجازر، لم تنكسر غزة، بل ازداد صوتها حضورًا وفاعلية، خطاب أبو عبيدة لم يكن دفاعًا عن النفس، بل كان هجوميًا بامتياز، فيه مساءلة للأمة، وتذكير بماهية الصراع، وتحريض على كسر الحصار السياسي والنفسي الذي يُفرض على كل من يدافع عن فلسطين، لم يتحدث باسم فصيل، بل باسم شعب ذُبح في الخيام وتحت القصف، ولم يطلب معونةً، بل وجّه تحية للمقاومين في ميادين أخرى، وفي مقدمتهم اليمن.
لقد كتب، من قلب الركام، سطرًا جديدًا في المعادلة: لا قيمة لأي تحالف عربي لا يبدأ من القدس، ولا وزن لأي جيش لا يحمل فلسطين في عقيدته، ولا معنى لأي بيان لا يتبعه فعل مقاوم.
من بين الأنقاض، يخرج صوت، لا تُسكته الطائرات، ولا تُرعبه المجازر.. صوت يشقّ جدار الصمت العربي، ويهزّ ضمائر من بقيت لهم ضمائر.
غزة التي ضُربت حتى الرمق الأخير، وما زالت تُعلّم وتُربّي وتُحرّض ، واليمن، الذي طاله الحصار ردّ على الجراح بأفعال العز لا بشعارات الخداع، وفي زمن كُسرت فيه العواصم، بقيت غزة وصنعاء تقفان شامختين، كقنديلين في ليلٍ عربي طويل، تُنيران الطريق نحو الكرامة، وتدلان الأمة إلى ما تبقى لها من شرف.








