-
℃ 11 تركيا
-
10 يونيو 2025
اختراق في الذكاء الاصطناعي يكشف أنماطًا خفية في بنية الكون
اختراق في الذكاء الاصطناعي يكشف أنماطًا خفية في بنية الكون
-
1 يونيو 2025, 1:26:24 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: شيماء مصطفى
طوّر باحثون في معهد فلاتيرون وشركاؤهم طريقة جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تُحدث تحولًا كبيرًا في الطريقة التي يقيس بها العلماء خصائص الكون. توفر هذه التقنية الجديدة دقة أعلى بكثير في تحديد الخصائص الأساسية للكون مقارنة بالأساليب السابقة.
SimBIG: استنتاج قائم على المحاكاة
يعرف هذا الأسلوب باسم "الاستنتاج القائم على المحاكاة للمجرات" (SimBIG)، ويستخرج دلائل خفية من الأنماط التي تشكلها المجرات. لا يقتصر على ما كانت تستخلصه الأدوات القديمة، بل يتجاوزها ليكشف عن معلومات كانت في السابق بعيدة المنال.
تقليل هامش الخطأ إلى النصف
باستخدام الذكاء الاصطناعي، تمكن الفريق من تقليل نسبة عدم اليقين في معايير كونية حرجة — مثل مدى "تكتل" المادة في الكون — إلى أقل من النصف. وتتوافق النتائج التي تم التوصل إليها بشكل كبير مع قياسات كونية أخرى، بما في ذلك الضوء الصادر من أقدم لحظات نشأة الكون.
وقد نُشرت هذه الدراسة في مجلة Nature Astronomy، وهي تمثل قفزة كبيرة إلى الأمام. ومع SimBIG، أصبح بإمكان الباحثين دراسة بنية الكون بثقة وتفصيل أكبر.
ما هي المعايير الكونية؟
تخبرنا المعايير الكونية بكيفية عمل الكون ومما يتكون. وهي تشمل كميات الطاقة المظلمة والمادة المظلمة والمادة العادية، إلى جانب سمات كونية مبكرة مثل توزيع الكتلة ومدى تعتيم الكون.
يقول ليام باركر، محلل أبحاث في مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية التابع لمعهد فلاتيرون وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة: "تُعد هذه المعايير بمثابة ’إعدادات‘ الكون التي تحدد كيف يعمل على أوسع النطاقات."
أدوات قديمة ونظرة محدودة
كانت الأدوات السابقة تركز على تكتل المجرات على نطاق واسع. ورغم فائدتها، إلا أنها غالبًا ما كانت تُغفل الأنماط الدقيقة. ويغيّر SimBIG ذلك من خلال التعمق أكثر في بيانات المجرات، واستخلاص خصائص دقيقة تسهم في تحسين فهمنا الكوني.
فتح آفاق جديدة
هذا التقدّم في الدقة لا يمثل مجرد تحديث تقني، بل يفتح بابًا جديدًا بالكامل. إذ يتيح SimBIG مسارات جديدة لدراسة كيفية تشكل الكون وتطوره واستمراره في التوسع.
نظرة داخلية إلى الدراسة
يقول تشانغ هون هان، باحث مشارك في جامعة برينستون والمؤلف الرئيسي للدراسة: "لم نكن قادرين على النزول إلى المقاييس الصغيرة... هناك معلومات إضافية هناك؛ لكننا فقط لم نكن نملك وسيلة فعالة لاستخراجها."
كانت حلول هان تتمثل في استغلال الذكاء الاصطناعي للوصول إلى هذه البيانات الصغيرة غير المستغلة. تضمنت خطته ذات المرحلتين أولًا تدريب نموذج ذكاء اصطناعي على تعلّم قيم المعايير الكونية من خلال أكوان محاكاة. أما الخطوة التالية فكانت تطبيق هذا النموذج المُدرَّب على بيانات حقيقية لتوزيع المجرات.
تدريب النموذج الذكي
خلال التدريب، زود الباحثون النموذج بـ 2000 محاكاة من مجموعة كويخوت (Quijote) التابعة لمركز الفيزياء الحاسوبية، حيث أنشئت كل محاكاة بقيم مختلفة للمعايير الكونية. كانت هذه الأكوان المحاكاة تحاكي بيانات واقعية من مسوحات المجرات، بما في ذلك العيوب الناتجة عن الغلاف الجوي والتلسكوبات.
يقول هان: "رغم أن هذا عدد كبير من المحاكيات، إلا أنه عدد يمكن التعامل معه." ويضيف أنه بدون الذكاء الاصطناعي، كانوا سيحتاجون إلى مئات الآلاف من المحاكيات لتحقيق نفس النتائج.
استخلاص الأنماط الدقيقة
من خلال هذه المحاكيات، تعلّم الذكاء الاصطناعي كيفية ربط قيم المعايير الكونية بالاختلافات الدقيقة في تكتل المجرات. فعلى سبيل المثال، تعلم تحليل المسافة بين المجرات الفردية، واستخلاص معلومات إضافية من خلال النظر إلى مجموعات مكونة من ثلاث مجرات أو أكثر، وما تشكله من أشكال هندسية.
اختبار النموذج
بعد التدريب، تم اختبار النموذج باستخدام بيانات حقيقية من 109,636 مجرة تم قياسها ضمن مسح "تذبذب الباريونات الطيفي" (BOSS).
وكما هو متوقع، نجح الذكاء الاصطناعي في استخدام تفاصيل المجرات الصغيرة والكبيرة على حد سواء لتحسين دقة تقدير المعايير الكونية بشكل كبير. ومن اللافت أن هذه الدقة تعادل تلك التي تتطلب في الأساليب التقليدية استخدام حوالي أربعة أضعاف عدد المجرات.
كفاءة أعلى ببيانات أقل
تُعدّ هذه النتيجة بالغة الأهمية لأن الكون يحتوي على عدد محدود من المجرات. تقول شيرلي هو، قائدة مجموعة بحثية في مركز الفيزياء الحاسوبية ومؤلفة مشاركة في الدراسة: "من خلال الحصول على دقة أعلى ببيانات أقل، يمكن لـ SimBIG أن يدفع حدود الممكن."
كما شددت هو على الأهمية العملية لهذه المعايير الكونية، نظرًا للتكلفة الهائلة لمسوحات المجرات. وتقول: "كل من هذه المسوحات يكلف مئات الملايين إلى مليارات الدولارات. ولذلك فإنك تريد أفضل تحليل ممكن لاستخلاص أكبر قدر من المعرفة من هذه المسوحات، ودفع حدود فهمنا للكون."
حل لغز توتر هابل
من بين التطبيقات المستقبلية الرئيسية لدقة SimBIG هو التعامل مع ما يُعرف بـ"توتر هابل" — وهي مسألة كونية تشير إلى التناقض في تقديرات ثابت هابل، الذي يصف معدل توسع الكون.
تختلف التقديرات القائمة على تذبذبات الضوء الأقدم في الكون بنحو 10% عن تلك المستندة إلى قياس المسافة إلى المستعرات العظمى في المجرات البعيدة. وقد أثار هذا التباين جدلًا، ويشير إلى أن هناك حاجة لفهم أعمق أو حتى إلى فيزياء جديدة.
ومع بدء عمل مسوحات كونية جديدة خلال السنوات المقبلة، فإن نهج SimBIG المدعوم بالذكاء الاصطناعي سيمكن الباحثين من استكشاف توتر هابل بشكل أفضل، وتحديد ما إذا كان يمكن حل التباين في التقديرات. وإذا لم يكن بالإمكان حله، فقد يشير ذلك إلى أن الكون يعمل وفق قوانين فيزيائية لا نفهمها بالكامل بعد.
يقول هان: "إذا تمكنا من قياس هذه القيم بدقة عالية، وأثبتنا بوضوح وجود توتر، فقد يكشف ذلك عن فيزياء جديدة تتعلق بالطاقة المظلمة وتوسع الكون."
خطوة هائلة نحو المستقبل
تمثل الدراسة المنشورة في Nature Astronomy خطوة هائلة إلى الأمام في مجال علم الكونيات. فالاستفادة المبتكرة من الذكاء الاصطناعي لاستخراج البيانات الخفية وتحسين الدقة تفتح آفاقًا جديدة لحل أسرار الكون، وتعزز معرفتنا بالمادة المظلمة، والطاقة المظلمة، والقوى التي تشكل الكون.









