-
℃ 11 تركيا
-
20 يونيو 2025
إيران تغلق متاحفها وتنقل كنوزها الأثرية إلى أماكن آمنة في ظل تصاعد الحرب
إيران تغلق متاحفها وتنقل كنوزها الأثرية إلى أماكن آمنة في ظل تصاعد الحرب
-
20 يونيو 2025, 12:30:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بوابة الحديقة الوطنية "سردار باغ ملي" وسط طهران، وتضم وزارة الخارجية الإيرانية، والمتحف الوطني الإيراني، ومتحف مالك، ومتحف البريد الوطني
متابعة: عمرو المصري
في خطوة استثنائية تعكس تصاعد منسوب القلق إزاء الأوضاع الأمنية، أغلقت إيران كافة متاحفها ومواقعها الأثرية حتى إشعار آخر، وبدأت بنقل قطعها الأثرية الأكثر قيمة إلى مخازن مؤمنة، وذلك في إطار تنفيذ بروتوكولات الطوارئ المعتمدة لمواجهة الأزمات المحتملة، وفق ما أفادت به وسائل إعلام محلية.
وجاء الإعلان على لسان علي دارابي، نائب وزير التراث الثقافي والسياحة والحِرف اليدوية، الذي صرّح للتلفزيون الإيراني بأنه أعطى تعليمات مباشرة لأمناء المتاحف بضرورة اتباع بروتوكولات الأزمات، وإغلاق جميع المتاحف والمواقع التاريخية "على الفور"، بالتوازي مع نقل القطع الأثرية إلى أماكن أكثر أمانًا. وأكدت الوزارة بحلول يوم السبت أن جميع القطع الأثرية الرئيسية قد تم نقلها إلى مخازن محصنة، بحسب ما أورد مراسل صحيفة The Art Newspaper في طهران.
تدريبات وقائية سنوية
ليلى خسروي، المديرة العامة للمتاحف الإيرانية، أوضحت في حديث لصحيفة "همشهري" الحكومية أن المتاحف والمواقع التاريخية في إيران تجري تدريبات سنوية منتظمة على التعامل مع سيناريوهات الأزمات، مثل الزلازل، الغارات الجوية، والحرائق، بالتعاون مع خدمات الطوارئ.
وقالت خسروي: "نحن على أتم الاستعداد لحماية هذه الأصول والكنوز الوطنية الإيرانية. حتى في هذه الأزمة، ستبقى محفوظة بأمان، كما كانت في الماضي". هذا التأكيد يأتي في وقت تتصاعد فيه المخاوف من استهداف منشآت ثقافية في ظل الضربات الجوية، واحتمالات التصعيد العسكري في البلاد.
إرث ثقافي ضخم ومعرّض للخطر
تضم إيران أكثر من 800 متحف و28 موقعًا مدرجًا على قائمة التراث العالمي لليونسكو، إضافة إلى مجموعات أثرية تعود إلى مختلف العصور الحضارية التي مرت على البلاد. ويُعد المتحف الوطني الإيراني في طهران من أبرز المؤسسات الثقافية في البلاد، حيث يحتضن أكثر من 300 ألف قطعة أثرية. كما يحتفظ متحف طهران للفن المعاصر بمجموعة نادرة من أعمال كبار الفنانين العالميين مثل بابلو بيكاسو، وفان جوخ، وآندي وارهول، وجاكسون بولوك، وتُقدّر قيمة هذه المجموعة بنحو 3 مليارات دولار وفق تقديرات تعود لعام 2018.

المتحف الوطني في طهران
وتُشرف وزارة التراث الثقافي على نحو 300 متحف رسمي، بينما تُدار المتاحف الأخرى من قِبل البلديات أو مؤسسات خاصة. وقد وجّهت الوزارة تعليمات موحدة إلى جميع الجهات المعنية باتباع بروتوكولات الطوارئ لمنع النهب أو الإتلاف أو التدمير.
إجراءات استثنائية في المحافظات
في محافظة فارس جنوب البلاد، والتي تضم ثلاثة مواقع مُدرجة على قائمة التراث العالمي – أبرزها مدينة برسبوليس القديمة، عاصمة الإمبراطورية الأخمينية (518 قبل الميلاد) – أفاد المسؤولون المحليون بنقل جميع القطع الأثرية من 47 متحفًا حكوميًا وخاصًا إلى مواقع تخزين مؤمنة.
أما في محافظة أصفهان، التي تضم بدورها ثلاثة مواقع تراثية عالمية، إضافة إلى أكثر من 22 ألف مبنى تاريخي، من بينها نحو 600 منزل تاريخي، فقد أعلن أمير كرم زاده، المدير العام للتراث الثقافي والسياحة بالمحافظة، إغلاق جميع المتاحف والالتزام الصارم ببروتوكولات الطوارئ الأمنية، مع الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية والجيش سيكونون على أهبة الاستعداد للتدخل إذا اقتضت الحاجة، "لتعزيز حماية الممتلكات الثقافية من أي تهديد محتمل".
مخاوف من الأضرار الهيكلية ومناشدات دولية
وفي موازاة هذه الإجراءات الوقائية، حذّر خبراء في وزارة التراث من أن موجات الصدمة المتكررة الناتجة عن الانفجارات والغارات الجوية قد تترك آثارًا هيكلية خطيرة وطويلة الأمد على المباني الأثرية. وقد دفعت هذه المخاوف جمعية الآثار الإيرانية – وهي منظمة أكاديمية غير حكومية – إلى إصدار بيان يوم الإثنين عبر قناتها على تيليغرام، أدانت فيه الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، ودعت إلى تحرك دولي عاجل لحماية التراث الإيراني.
وطالبت الجمعية كلًا من منظمة اليونسكو، والمجلس الدولي للآثار، والدرع الأزرق، بمراقبة الوضع عن كثب وتفعيل آليات الطوارئ المنصوص عليها دوليًا. وجاء في البيان: "إن التراث الثقافي ليس ملكًا لأمة واحدة، بل هو إرث مشترك للبشرية جمعاء. ويشكّل تدميره اعتداءً عميقًا على الهوية والذاكرة الجماعية وأسس السلام".

متحف الزجاج والسيراميك في إيران
ودعت الجمعية إلى تحرك فوري "لحماية أرواح الناس، والدفاع عن التراث الثقافي، وصون القيم الإنسانية والقانون الدولي"، مؤكدة أن الاعتداء على المواقع التراثية لا يقل خطرًا عن استهداف المدنيين.
قراءة في سياق أوسع
هذه الخطوات الإيرانية غير المسبوقة تعكس حالة تأهب قصوى في صفوف المؤسسات الثقافية، وتُبرز هشاشة التراث الإنساني في مواجهة الصراعات العسكرية الحديثة. فمع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وتحوّل المتاحف والمواقع الأثرية إلى أهداف محتملة أو مناطق مهددة بانعكاسات غير مباشرة، تبدو إيران عازمة على الحفاظ على كنوزها الحضارية كأولوية وطنية، في ظل ما تعتبره تهديدًا استراتيجيًا وجوديًا.
وفي وقت تعاني فيه المنطقة من تآكل مستمر للهويات الثقافية بفعل الحروب، يسلّط الموقف الإيراني الضوء على العلاقة العميقة بين التراث والهوية والسيادة، وعلى الحاجة الملحة لتدخّل دولي لا يكتفي بإدانات عامة، بل يُفعّل أدوات الحماية القانونية واللوجستية لحماية هذا الإرث من أن يصبح ضحية أخرى للصراع السياسي والعسكري.










