(8-3) سلسلة عصام دربالة… شهيد الاتزان وقائد البناء

إسلام الغمري يكتب:من بيئة القرية إلى ردهات الجامعة… تكوينات العقل والقلب

profile
د إسلام الغمري سياسي مصري
  • clock 12 أغسطس 2025, 2:14:03 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مقدمة

في المقال السابق استعرضنا القيم النبيلة التي ترسخت في تجربة طفولة عصام دربالة، بدءًا من الزهد والتواضع. اليوم ننتقل إلى مرحلة التحول الكبرى: خطوة دربالة من أحضان قريته المنياوية إلى عتبات جامعة أسيوط . هنا بدأت تتبلور ملامح ذاكرة فكرية واجتماعية شخصية تميزت بصراحتها وعمقها، متعمدة في التلاقي بين المبادئ والرؤية الواقعية.

1. القرية: أول مدرسة للقيَم

نشأته في بيئة ريفية محافظة لم تكن خلفية فقط، بل كانت فضاء تجربة لأخلاق القيادة. فالقوة عنده لم تكن اسمًا كبيرًا، بل خدمة للناس. كان يكتب المودة في مبادلته البسيطة للسلام، ويتعلم معاني الرفق من همهمات نساء القرية، وشيوخه، وأسرته العريقة في القضاء والمحاماة.
هذه التجربة أولت عنده قيمة السمعة الطيبة؛ حيث كان يرى أن الولاء للحق يبدأ من الولاء للصغير قبل أن يكون للموقع.

2. المدرسة والجامعة… بوابة الانضباط والانفتاح

في مراحل الدراسة الأولى، لم يكن التفوق مجرد نتيجة، بل اختيار منهجي: كانت الكتب مصدر استقلال، والعلم منهج خدمة.
ثم انفتحت أمامه عالَم الجامعة، وكان أولى نقاط التحول الحقيقية. لم يعد عالمه فرديًا بعد اليوم، بل صار مواجهة لأفكار متصارعة، وحوارات متدفقة، وصراعات فكرية علنية وحقيقية.
هناك تفاعل مع التيارات الإسلامية المختلفة، وسعى، في تلك البداية، إلى “فهم الناس قبل أن يحكم عليهم”، مما أضفى على رؤيته عمقًا ونضجًا ساده وعي سياسي برّاق ومستقر.

3. شهادة من الروح… ناجح إبراهيم يتحدّث

يقول د. ناجح إبراهيم عن دربالة:

”كان موسوعي المعرفة، وعذوبة الخُلُق، لا تجد في الوسط الإسلامي المعاصر من يضاهيه… اجتمع فيه علم الشريعة والمعرفة التنظيمية، وتواضع الصوفي وزهد العظيم.”

وهذه الشهادة تتجاوز الصفات الشكلية لتصل إلى أصل الشخصية: إنسانية، عقلانية، ودعوة بلا بهرجة.

4. أولى خيارات المشروع القيادي

في صميم حياته الجامعية، بدأت زوايا الشخصية القيادية تتوضح:
• مزيج غير ملوث بين “الحلم” و”الواقع”.
• رفض للاندفاع الأعمى، مع مراعاة للتغيرات الراهنة.
• إحساس قوي بأن القيادة تحتاج إعدادًا، لا لمجرد أداء أدوار.

ففي صمت الجامعة، كان دربالة يكتشف معاهد صناعة القادة: قراءة، تفكير، اختيار، استيعاب، ثم قيادة بالوعي، بعيدًا عن الزخم الطائش.

الخلاصة

من ربوع القرية المترعة بالقيم، إلى مراكز الجامعة المزدحمة بالأفكار، شكلت هذه المرحلة حجر الأساس لبناء “شخصية دربالة”؛ الشخصية التي ضمّنت في ذاتها الأصالة والانفتاح، الزهد والوعي، الرؤية القومية والتخطيط الاستراتيجي.

تمهيد للمقال الرابع

في المقال القادم، سننتقل إلى مرحلة الفعل التي انطلقت فيها حدود الوعي نحو العمل الدعوي والسياسي، حيث التقى المشروع بالقادم — من مواقع الدعوة إلى ساحات التأسيس والتنظيم.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)