أمريكا راعية الإبادة: واشنطن تعاقب المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي

profile
  • clock 10 يوليو 2025, 11:35:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
فرانشيسكا ألبانيزي طالبت مرارا باتخاذ إجراءات قضائية بحق الضالعين في إبادة غزة (الفرنسية)

متابعة: عمرو المصري

في خطوة صادمة تكشف انحياز الولايات المتحدة الأعمى للاحتلال الإسرائيلي واستعدادها لتقويض كل قواعد القانون الدولي، فرضت واشنطن يوم الأربعاء عقوبات مباشرة على المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، عقابًا لها على فضحها جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة. هذه الخطوة الوقحة تأتي في وقت يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين وسط صمت مريب من المؤسسات الدولية التي تمارس واشنطن عليها نفوذًا خانقًا، مانعة أي تحرك جاد لوقف المذبحة أو محاسبة المسؤولين عنها.

الإدارة الأمريكية لم تكتفِ بتوفير السلاح والدعم السياسي والغطاء الدبلوماسي لإسرائيل، بل صعدت حربها ضد كل صوت يحاول توثيق الجرائم والمطالبة بالمحاسبة. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أعلن عبر منصة "إكس" فرض العقوبات على ألبانيزي، متهمًا إياها بجهود "غير شرعية ومخزية" لحث المحكمة الجنائية الدولية على مقاضاة مسؤولين وشركات ومديرين تنفيذيين أمريكيين وإسرائيليين متورطين في الإبادة. هذه اللغة العدائية تفضح جوهر السياسة الأمريكية التي ترى القانون الدولي مجرد أداة انتقائية تستخدمها ضد خصومها، بينما تمنحه حصانة مطلقة لحلفائها القتلة.

 

تجريم التوثيق والمحاسبة

فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الأممية التي تسعى واشنطن إلى شيطنتها، لم ترتكب جرمًا سوى القيام بواجبها الأخلاقي والقانوني في توثيق الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق أكثر من مليوني فلسطيني في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. في تقاريرها الرسمية، كشفت ألبانيزي بالدليل والوثيقة عن حجم الجرائم والانتهاكات، وطالبت بمحاسبة الجهات والشخصيات الضالعة فيها، بما في ذلك سياسيون وجنرالات وشركات سلاح وتكنولوجيا ضخمة تربح من دماء الأطفال والنساء في القطاع المحاصر.

وفي أحدث تقاريرها الصادر هذا الشهر، وجهت ألبانيزي اتهامات صريحة لأكثر من 60 شركة عالمية متورطة في دعم آلة القتل الإسرائيلية. التقرير سمّى شركات أسلحة مثل "لوكهيد مارتن"، و"ليوناردو"، و"كاتربيلر"، و"إتش دي هيونداي"، إضافة إلى عمالقة التكنولوجيا مثل "جوجل" (ألفابت)، و"أمازون"، و"مايكروسوفت"، متهمة إياها بتزويد إسرائيل بالأسلحة والمعدات وتسهيل أدوات المراقبة والقمع، وهو ما يسهم في دمار غزة وانتهاكات حقوق الإنسان فيها.

حماية نتنياهو من العدالة

لم تكتف ألبانيزي بكشف شراكة الشركات الكبرى في تمويل الإبادة، بل طالبت كذلك بمساءلة الحكومات الأوروبية المتواطئة في حماية مجرمي الحرب. في منشور على "إكس"، طالبت المقررة الأممية حكومات إيطاليا وفرنسا واليونان بتوضيح سبب سماحها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، باستخدام أجوائها والممرات الآمنة خلال رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة. تساءلت ألبانيزي صراحة: "لماذا وفرت هذه الحكومات المجال الجوي الآمن لشخص صدرت بحقه مذكرة اعتقال دولية ويتعين عليها قانونًا القبض عليه؟".

 

هذه المذكرة الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر 2024 تتهم نتنياهو بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة، في دليل إضافي على مسؤولية شخصية مباشرة في الإبادة. ومع ذلك، يتلقى نتنياهو معاملة الرؤساء المكرّمين من حكومات تدعي احترام القانون الدولي، بينما تلاحق واشنطن من يحاول تنفيذ أبسط قواعد العدالة في حقه.

دعم مطلق للإجرام الإسرائيلي

زيارة نتنياهو الحالية للولايات المتحدة هي الثالثة منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية، وتأتي في سياق الدعم غير المحدود الذي توفره واشنطن لحرب الإبادة في غزة. الولايات المتحدة، الدولة التي تدعي زعامة "النظام الدولي القائم على القواعد"، تظهر هنا على حقيقتها كراعٍ رسمي لإرهاب الدولة الإسرائيلي، لا تكتفي بالدعم العسكري والسياسي بل تشن حربًا قانونية واقتصادية على من يحاول فضح الجريمة أو مساءلة الجناة.

فرض العقوبات على ألبانيزي يكشف الوجه القبيح لسياسة أمريكية جعلت من الأمم المتحدة ساحة نفوذها الخاص، تجمد فيها أي تحقيق لا يروق لها، وتكافئ قتلة الأطفال، وتدين من يطالب بالعدالة. إنها رسالة واضحة للعالم: من يحاسب إسرائيل أو حلفاءها سيتعرض للعقاب، بينما يظل القانون الدولي رهينة بيد واشنطن التي لا تتردد في سحقه متى اصطدم بمصالحها.

التعليقات (0)