مناورات عسكرية تركية مصرية تعكس تحولاً استراتيجياً في العلاقات الثنائية

profile
  • clock 2 مايو 2025, 12:27:22 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في تطور بارز على صعيد العلاقات بين القاهرة وأنقرة، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة بين وحدات من القوات الخاصة التركية والمصرية، وذلك على الأراضي التركية. المناورات التي نُفذت في إطار متقدم من التنسيق العسكري، تضمنت مجموعة متنوعة من المهام القتالية والتكتيكية، عكست استعداد الطرفين للدخول في مرحلة جديدة من التعاون الأمني، بعد سنوات من الفتور السياسي والقطيعة الدبلوماسية.

الوزارة التركية نشرت عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) مقطع فيديو يوثّق التدريبات المشتركة، وأرفقته بعلمي البلدين مع رسالة تؤكد على أهمية التعاون العسكري بين الجانبين، في إشارة رمزية إلى تقارب استراتيجي تتجاوز أبعاده الطابع الرمزي أو البروتوكولي.

تدريبات تكتيكية متقدمة: من القنص إلى الإنزال الجوي

المناورات شهدت مشاركة عناصر من قوات العمليات الخاصة من الجانبين، وجاءت شاملة من حيث طبيعة المهام والتدريبات. فقد تضمنت القتال في المناطق المبنية، وهي من أكثر بيئات العمليات تعقيداً وخطورة، إلى جانب تدريبات احترافية للقناصة، وجلسات مكثفة على الإسعافات القتالية الميدانية.

 

كما شملت التمارين القفز الحر بالمظلات، وعمليات الإنزال السريع من المروحيات، والإخلاء الطبي الجوي، وهي تقنيات تُستخدم في مهام الاقتحام والإنقاذ الخاصة. وأجريت أيضًا تدريبات على عمليات الاستطلاع والمهام الخاصة، ما يعكس رغبة البلدين في تحقيق تناغم تكتيكي وتبادل الخبرات في العمليات غير التقليدية.

تُظهر طبيعة هذه المناورات أن التنسيق العسكري تجاوز مرحلة الرمزية، وأصبح يلامس قضايا الأمن المشترك، خاصة في ظل التحديات الأمنية الإقليمية التي تواجه البلدين في ملفات مثل الإرهاب، والأمن البحري، والاستقرار الحدودي.

صمت مصري ورسائل تركية علنية

اللافت في هذا الحدث العسكري، أن الإعلان عنه جاء فقط من الجانب التركي، في حين لم تصدر وزارة الدفاع المصرية أي بيان رسمي بشأن المشاركة في هذه التدريبات، ولم تُشر إليه أي من المنصات الإعلامية الرسمية التابعة للقوات المسلحة المصرية حتى وقت نشر الخبر.

هذا الصمت المصري طرح تساؤلات حول أسباب التكتّم الرسمي، خاصة في ظل حساسية التوقيت وعمق التغيرات الجارية في السياسة الإقليمية. ويرى مراقبون أن اقتصار الإعلان على الجانب التركي قد يكون مؤشرًا على تفاوت في وتيرة الانفتاح الإعلامي والسياسي بين البلدين، أو ربما يعكس تحفّظًا مصريًا داخليًا حيال كشف مستوى التطبيع العسكري مع تركيا في هذه المرحلة الدقيقة.

وتُرجّح تحليلات أخرى أن يكون هذا التحفظ مرتبطًا باعتبارات إقليمية تتعلق بملفات معقدة مثل الصراع في ليبيا، والتنافس في شرق المتوسط، وموقف البلدين من القضية الفلسطينية، وهي ملفات لا تزال تحتاج إلى إدارة دقيقة في سياق إعادة بناء الثقة.

مؤشر جديد على تجاوز الجمود السياسي

رغم الصمت المصري، تبقى مشاركة قوات مصرية في تدريبات عسكرية تركية تطورًا نوعيًا، ويُعدّ مؤشرًا ملموسًا على تجاوز مرحلة الجمود، والانتقال إلى مستوى أكثر واقعية في العلاقات الثنائية، يقوم على الاستعداد لبناء شراكة أمنية جديدة، وربما أيضًا شراكة استراتيجية أوسع في قضايا المنطقة.

هذه المناورات قد تكون تمهيدًا لتوسيع التعاون ليشمل مجالات مثل مكافحة الإرهاب، وتأمين الممرات البحرية الإقليمية، وتبادل التجارب العسكرية، وهو ما يعكس تغيرًا في أولويات السياسة الخارجية لدى الطرفين، خصوصًا مع تزايد التحديات الإقليمية التي لم تعد تحتمل القطيعة أو التوترات الممتدة.

تحول لافت في العلاقات المصرية التركية

تأتي هذه التدريبات المشتركة في إطار تحولات أوسع تشهدها العلاقات المصرية التركية، والتي بدأت تتخذ منحى أكثر انفتاحًا خلال الأشهر الماضية، خصوصًا في أعقاب زيارات متبادلة رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، وتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري في قطاعات متعددة.

ورغم أن الملف الأمني والعسكري كان يُعدّ من أكثر الملفات حساسية بين الطرفين منذ اندلاع الخلافات بعد 2013، فإن العودة إلى التنسيق العسكري تُعدّ خطوة متقدمة نحو إعادة بناء الثقة، خاصة في ظل تغير خريطة التحالفات الإقليمية والدولية.

يُنظر إلى هذه المناورات على أنها مرحلة اختبار مبكرة في مسار طويل لإعادة تطبيع العلاقات بالكامل، وقد تمهد الطريق نحو شراكات أشمل في المستقبل، سواء على صعيد الأمن الإقليمي أو حتى في الملفات الاقتصادية، في حال استمرت الإرادة السياسية المتبادلة في الحفاظ على هذا الزخم الجديد.

التعليقات (0)