رغم تراجع أسعار النفط

لماذا تستطيع السعودية إنفاق أموال أكثر مما تجني؟

profile
  • clock 3 مايو 2025, 2:16:06 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

رغم تراجع أسعار النفط وفتور شهية المستثمرين الأجانب تجاه المشاريع العملاقة في السعودية، إلا أن المملكة لا تبدو متأثرة أو مضطربة. بل إن السعودية، بحسب ما نقلته وكالة رويترز، أبلغت المطلعين على صناعة النفط بأنها قادرة على التعايش مع أسعار طاقة منخفضة.

هذا التصريح لا يعكس مجرد ثقة خطابية، بل ينبع من واقع اقتصادي خاص تتمتع به المملكة، كما يوضح خبراء اقتصاديون. فالسعودية، ببساطة، تستطيع في الوقت الراهن إنفاق أموال أكثر بكثير مما تكسبه.

وفي الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى تنويع اقتصادها والابتعاد عن الاعتماد على عائدات الطاقة - وهو جوهر المشاريع العملاقة مثل مشروع "نيوم" - إلا أن النفط لا يزال يشكل نحو 61% من إيراداتها، بحسب موازنة 2025. وهذا ما يجعل ميزانية الدولة عرضة لتقلبات أسعار الطاقة، ويفسّر تركيز المحللين على مصطلح "سعر النفط المتعادل"، أي السعر الذي تحتاجه المملكة لتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات.

ووفقاً لتحليلات "أوكسفورد أنالاتيكا"، تحتاج السعودية إلى سعر نفط يتجاوز 100 دولار للبرميل لتوازن موازنتها في عام 2025، وذلك عند أخذ إنفاق "صندوق الاستثمارات العامة" على المشاريع العملاقة بعين الاعتبار.

لكن خبراء يشيرون إلى أن هذا الرقم قد لا يحمل المعنى الحاسم الذي يتصوره البعض.

عقلية اقتصادية جديدة: الموازنة ليست أولوية مطلقة

تقول إلين وولد، مؤسسة شركة الاستشارات "ترانزفيرسال كونسلتينغ" ومؤلفة كتاب Saudi Inc.، لموقع Middle East Eye إن "السعودية لا تحتاج إلى موازنة ميزانيتها". وتضيف: "الاعتقاد بأن المملكة بحاجة إلى سعر نفط معين لتحقيق التوازن لا يعبّر عن عقلية السعودية الجديدة في التعامل مع أسعار النفط".

ففي الواقع، لا ترى الرياض بأسًا في تسجيل عجز في الموازنة. فموازنة 2025 تتوقع عجزاً مالياً بقيمة 27 مليار دولار، أي ما يعادل 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً لتقرير صادر عن "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" في أبريل/نيسان، فإن استمرار أسعار النفط عند متوسط 65 دولاراً للبرميل قد يرفع العجز إلى 56 مليار دولار أو 5.2% من الناتج المحلي. ومع ذلك، فإن هذا المستوى من العجز لا يُقلق القيادة الاقتصادية في المملكة، في الوقت الراهن على الأقل.

احتياطات ضخمة ودَين منخفض: عوامل تمنح السعودية مساحة مالية كبيرة

رغم أن العجز المالي المستمر يمكن أن يكون عبئًا على اقتصاد أي دولة، إلا أن السعودية تتمتع بمميزات تضعها في موقع استثنائي بين الدول الناشئة. فقد رفعت وكالة S&P Global Ratings هذا الشهر التصنيف الائتماني للسعودية إلى (+A)، وهو ما يضعها في نفس الفئة مع دول كبرى مثل الصين واليابان.

كما تحتفظ السعودية باحتياطات أجنبية تزيد عن 430 مليار دولار، في وقت لا يتجاوز فيه معدل الدين العام 30% من الناتج المحلي، وهو معدل منخفض مقارنة بمعظم الأسواق الناشئة.

سيل من الديون لسد الاحتياجات الفورية

لتمويل احتياجاتها قصيرة الأجل، تتجه السعودية إلى إصدار المزيد من الديون. ففي عام 2024، تفوقت المملكة على الصين لتصبح أكبر مُصدِر للديون في الأسواق الناشئة على المستوى الدولي، وهي وتيرة يُتوقع استمرارها خلال 2025.

وبحسب تيم كالين، الباحث الزائر في معهد دول الخليج، فقد أصدرت المملكة حتى الآن ما يزيد عن 14 مليار دولار من الديون بالدولار واليورو، وقد يتضاعف هذا الرقم قبل نهاية العام.

ويقول كالين: "نظراً إلى أن السعودية ما تزال تحتفظ بوضع مالي قوي، فإن تمويل العجز الأكبر لن يشكل مشكلة. لكن في بيئة أسعار نفط منخفضة، من المرجّح أن يطلب المقرضون فوائد أعلى لشراء الدين مقارنة بما فعلوا في وقت سابق من هذا العام".

وتضيف وولد لموقع MEE: "السعوديون يفضلون عدم الاستدانة، لكنهم لا يرون بأسًا في ذلك. السعودية الجديدة تستطيع تحمّل الدين".

الاستثمار الآسيوي: هل يُنقذ طموحات السعودية؟

تُعدّ نفقات السعودية كبيرة، ويقع "صندوق الاستثمارات العامة" في صميم عملية التحوّل الاقتصادي. وقد جمع الصندوق حتى الآن نحو 5 مليارات دولار من الديون هذا العام. ومع ذلك، اضطرت المملكة إلى تقليص مشروع "نيوم" الطموح، الذي قُدّرت تكلفته في البداية بـ1.5 تريليون دولار، وكان يُفترض أن يستوعب 1.5 مليون نسمة بحلول 2030. الآن، تتوقع السعودية ألا يتجاوز عدد السكان في المدينة 300 ألف نسمة، مع اكتمال 2.4 كيلومتر فقط من المدينة بحلول ذلك الموعد.

وفي تقرير نشرته فايننشال تايمز يوم الإثنين، كُشف أن المدير التنفيذي لـ"نيوم" أطلق "مراجعة شاملة" للمشروع، بسبب ما وصفه بـ"محدودية الموارد".

يقول أندرو فاراند، مدير منطقة الشرق الأوسط في شركة Horizon Engage للاستشارات السياسية، إن تقليص حجم المشاريع يعكس إدراكًا سعوديًا لوجود سقف للطلب على ديون المملكة، رغم قوّته الحالية. ويضيف: "السعودية في وضع أفضل بكثير من غيرها من الأسواق الناشئة. لديها وقت طويل قبل أن تنضب خيارات الاقتراض، لكنه وقت محدود".

تراجع الثقة بالدين الأمريكي: فرصة للسعودية؟

الضغوط على المالية السعودية تفاقمت بفعل تهديدات الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما أدّى إلى اضطراب اقتصادي عالمي وانعكاساته السلبية على أسعار الطاقة. لكن السعودية قد تجد فرصة للاستفادة من اضطرابات النظام المالي العالمي، خصوصاً في آسيا.

يقول تيموثي آش، الخبير الاستراتيجي في الأسواق الناشئة لدى RBC Bluebay، إن المستثمرين الآسيويين - الذين لطالما اعتبروا سندات الخزانة الأميركية ملاذًا آمنًا - أصبحوا أكثر ترددًا بسبب سياسات ترامب التجارية والتشكيك في مكانة الدولار كعملة احتياط.

ويضيف: "نرى شهية قوية في آسيا للاستثمار في دول الخليج. السعودية ستستفيد من قيام المستثمرين الآسيويين ببيع الدين الأميركي والتوجه نحو ديون الخليج".

 

 

المصادر

ميدل إيست آي

التعليقات (0)