شهادة من تحت الركام

في حضن الحرب: نسيم رحل وبقيت يده في يدي

profile
  • clock 1 يوليو 2025, 1:50:37 م
  • eye 439
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
نسيم

محمد خميس

"قال لي لا نخاف... سنموت سويًا" – قصة الناجية علا عبد ربه من قلب المجزرة

 

لم تكن علا عبد ربه تكتب قصة حب، بل كانت توثق وداعًا مباغتًا في لحظة خاطفة، سرق فيها الاحتلال حبيبها نسيم، وهي إلى جواره، بين ضحكات الصور وسندويشات الفلافل، في مقهى صغير، لم يكن يعلم أنه سيكون مسرحًا للنهاية.

نشرت علا قصتها على فيسبوك، فاجتاحت القلوب قبل الشاشات، لتتحول إلى شهادة حيّة على حرب تمزق حتى اللحظات الحميمة، وتترك الناجين بنصف أرواحهم.

لحظة قبل الانفجار: "كان يرفرف من الفرح"

في المنشور المؤلم الذي أصبح يُتداول ضمن سلسلة "قصص من تحت الركام"، قالت علا: "كان يجلس بجواري، رفع الهاتف وبدأ يلتقط الصور. كان يرفرف من الفرح، يخبرني كم هي جميلة الصور. بحث لي عن كل ما هو مميز، كي يمنحني إياه."

تصف تلك اللحظة التي بدت وكأنها من حياة أخرى: قهوة، كوكيز، شيبس، حديث عن السفر، عن الأصدقاء، عن أمهات لم يلتقوها بعد.
كانت يد نسيم مشدودة إلى يدها طوال الطريق، كأنما يقول للعالم: "طالما نحن معًا، لن يهمّنا الموت."

صوت الموت: "آي آي..." ثم صمت

الانفجار كان صاعقًا. سقطا أرضًا. رجلا علا تنزف، ربطتها بشرشف الطاولة، لكنها لم تفكر بنفسها. كل ما فكرت فيه كان رأس نسيم وصوته ونبضه.

"أمانة، هي راسك ما في شي؟ ضلّك عايش أمانة!"، كتبت علا.

لكن الجواب لم يأتِ. كان النزيف من ظهره بالغًا.
كانت تؤمن أنه فقط فقد الوعي.

الطريق إلى المستشفى: أمل مشلول

زحفت علا، وهي مصابة بقطع في أوتار قدمها، لا تدري كيف تحركت، فقط تعلم أنها كانت تحاول اللحاق به. وصلت إلى المشفى على الإسعاف التالي، وكانوا قد ثبتوا قدمه بحديدة. جلست على كرسي، والدها يحيطها بصمت يفيض بالدموع. تسأله مرارًا: "بابا، نسيم كويس؟"، لكنه كان يرد: "بالعناية… ممنوع نعرف."

الخبر اليقين: "جبنالك ياه... تشوفيه"

بعد ساعات من الانتظار، خرجت على كرسي. اقتربت منها ابنة خالها، وضعت يدها على كتفها. "استشهد... صح؟"، سألتها. “آه... جبنالك ياه تشوفيه.” كان وجهه بدرًا، بل أجمل – كما وصفته علا.
ودّعها كما عاش معها: بحنانٍ صامت وابتسامة لا تموت.

شهادة من تحت الركام

“أشهدك ربي، أنه يستحق أن يكون شهيدًا... ما رأيت أحن منه على قلبي.” بكلماتها هذه ختمت علا القصة، لكنها فتحت جرحًا جديدًا في وجدان الوطن، حيث يُسحق الحب، وتُنتهك الإنسانية، وتُكتب البطولات بدماء العشاق لا الجنود.

في غزة، ليست الشهادة حكرًا على من يحمل السلاح، بل على من يحمل قلبًا لا ينكسر في وجه القصف، ونفسًا لا تخاف، ويدًا لا تترك من تُحب... حتى آخر لحظة.

التعليقات (0)