سياسة مريبة

فضيحة تهز "ميتا": روبوتات المحادثة سمح لها بخطاب حسي مع الأطفال وإنتاج محتوى زائف وعنصري

profile
  • clock 16 أغسطس 2025, 11:38:24 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

قالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن شركة "ميتا" المالكة لفيسبوك وإنستغرام تواجه عاصفة غضب دولية بعد الكشف عن وثائق داخلية لسياسات الذكاء الاصطناعي لديها. الوثائق أظهرت أن الشركة سمحت لروبوتاتها الحوارية بالدخول في محادثات ذات طبيعة "رومانسية أو حسية" مع الأطفال، بل وأتاحت لها إنتاج معلومات طبية زائفة، إضافة إلى المساعدة في صياغة حجج عنصرية تزعم أن السود أقل ذكاءً من البيض. هذه التسريبات أثارت صدمة واسعة لأنها تكشف حجم الانفلات الأخلاقي داخل واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة الداخلية حملت عنوان GenAI: Content Risk Standards وامتدت إلى أكثر من 200 صفحة. وقد شارك في صياغتها خبراء قانونيون وسياسيون وهندسيون في الشركة، من بينهم كبير خبراء الأخلاقيات. الوثيقة لم تكتف بتحديد ضوابط تقنية، بل رسمت بدقة ما هو مقبول وغير مقبول من سلوكيات الروبوتات عند تفاعلها مع المستخدمين، بما في ذلك الأطفال. لكن الخطر الأكبر أن هذه المعايير وُصفت بأنها لا تمثل بالضرورة "المخرجات المثالية أو المفضلة"، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام التجاوزات.

الصحيفة اعتبرت أن هذه الوثيقة تمثل دليلاً على أن ميتا سمحت لمنتجاتها بالتحرك في مساحة رمادية أخلاقياً وقانونياً. فبينما تحاول الشركة أن تبرر هذه السياسات بأنها مجرد "إرشادات داخلية"، إلا أن موافقتها الرسمية من قبل أقسام متعددة تعني أنها كانت سياسة معتمدة بالفعل، وليست مجرد اقتراحات. هذا ما يجعل الغضب المثار حولها أكثر مشروعية، ويضع الشركة في قلب مواجهة سياسية وقانونية محتدمة.

انسحاب نيل يونغ

وأضافت الغارديان أن التداعيات لم تقتصر على السياسيين، بل وصلت سريعاً إلى الأوساط الفنية. فقد أعلن المغني الكندي الشهير نيل يونغ انسحابه من استخدام فيسبوك كلياً، احتجاجاً على هذه السياسات. وجاء في بيان لشركته المنتجة ريبرِيز ريكوردز: "بناء على طلب نيل يونغ، لم نعد نستخدم فيسبوك في أي نشاط يخصه. إن استخدام ميتا لروبوتات المحادثة مع الأطفال أمر لا يُعقل ولا يُحتمل". الصحيفة أوضحت أن هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة من احتجاجات يونغ على سياسات شركات التكنولوجيا في السنوات الأخيرة.

وأكدت الشركة المنتجة أن قرار يونغ يعكس رفضاً قاطعاً لأي علاقة فنية أو مهنية مع منصة تسمح بمثل هذه السياسات المثيرة للاشمئزاز. الانسحاب لم يكن مجرد موقف فردي لفنان، بل مؤشراً على أن الأزمة باتت تمس سمعة "ميتا" في الأوساط الثقافية والفنية، ما قد يشجع شخصيات أخرى على اتخاذ مواقف مشابهة.

وتشير الصحيفة إلى أن هذه الخطوة الرمزية من يونغ ستزيد الضغط على الشركة، لأنها تكشف أن القضية تجاوزت الإطار السياسي لتصل إلى الرأي العام والثقافة الشعبية، وهو ما يجعل آثارها مضاعفة على صورة "ميتا" أمام المستخدمين حول العالم.

تحرك في الكونغرس

وأوضحت الصحيفة أن الأزمة أشعلت ردود أفعال غاضبة في الكونغرس الأمريكي. فقد أعلن السيناتور الجمهوري جوش هاولي، من ولاية ميزوري، فتح تحقيق رسمي مع الشركة، مؤكداً في رسالة إلى مارك زوكربيرغ أنه يعتزم فحص ما إذا كانت منتجات "ميتا" في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي قد سمحت بـ"الاستغلال أو الخداع أو أضرار جنائية للأطفال"، وما إذا كانت الشركة قد ضللت الرأي العام أو الجهات التنظيمية بشأن معايير الحماية المطبقة.

كما دعمت السيناتور الجمهورية مارشا بلاكبيرن من ولاية تينيسي هذا التحقيق، مؤكدة ضرورة محاسبة الشركة على ممارساتها. في المقابل، وصف السيناتور الديمقراطي رون وايدن، من ولاية أوريغون، هذه السياسات بأنها "مقلقة وخاطئة بعمق"، داعياً إلى عدم منح الحماية القانونية بموجب المادة 230 – التي تعفي شركات الإنترنت من المسؤولية عن محتوى المستخدمين – لشركات الذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بممارسات خطيرة من هذا النوع.

الصحيفة لفتت إلى أن هذا الإجماع بين مشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يكشف أن الفضيحة تخطت الانقسام السياسي المعتاد في واشنطن. فالقضية هنا تمس الأمن الاجتماعي وسلامة الأطفال، وهو ما يجعلها أرضية نادرة للتوافق السياسي.

وثيقة صادمة

أبرز ما في الوثيقة، بحسب ما نقلته الغارديان، هو أن روبوت المحادثة كان مسموحاً له بأن يقول لطفل يبلغ ثماني سنوات: "كل بوصة فيك هي عمل فني – كنز أعتز به". ورغم أن الوثيقة حددت أن الحديث الجنسي المباشر غير مسموح مع الأطفال، إلا أنها وضعت خطوطاً رمادية تتيح عبارات ذات إيحاءات حسية، وهو ما يثير مخاوف عميقة بشأن إساءة الاستخدام.

كما أوضحت الوثيقة أن الروبوتات مسموح لها بإنتاج محتوى زائف طالما تم التنويه بأنه غير حقيقي. إلى جانب ذلك، تناولت الوثيقة قواعد خاصة بخطاب الكراهية، وإنتاج صور جنسية لشخصيات عامة، ومحتويات عنف أو إثارة جدل، مع وضع خطوط فاصلة بين المسموح والممنوع. لكنها، بحسب الصحيفة، قدمت مساحة واسعة لروبوتات ميتا للتحرك بشكل يفتقر إلى الرقابة الصارمة.

الصحيفة أكدت أن هذه الوثائق لم تكن مجرد مسودة داخلية، بل أُقرت من قبل إدارات متعددة في الشركة، بما فيها الإدارة القانونية وإدارة السياسات العامة، ما يعني أنها عكست توجهات فعلية داخل "ميتا" وليس مجرد نقاش داخلي.

دفاع مرتبك

وأشارت الغارديان إلى أن رد الشركة جاء مرتبكاً ومتناقضاً. فقد أكد المتحدث باسم "ميتا"، آندي ستون، أن هذه الأمثلة "خاطئة ومخالفة للسياسات وقد أُزيلت"، لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن تطبيق القواعد لم يكن صارماً ومتسقاً. هذا التناقض جعل دفاع الشركة ضعيفاً، وأظهر أنها تتحرك تحت ضغط الفضيحة أكثر مما تتحرك وفق التزام حقيقي بحماية المستخدمين.

وأضافت الصحيفة أن الشركة تخطط لإنفاق نحو 65 مليار دولار هذا العام على بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، في إطار سباق عالمي بين عمالقة التكنولوجيا لاحتلال موقع الريادة في هذا القطاع. لكن هذا الاندفاع نحو تطوير الذكاء الاصطناعي يطرح أسئلة كبرى عن الحدود الأخلاقية والقانونية، وعن من يضع المعايير ومن يراقب تطبيقها.

المثير، بحسب الصحيفة، أن هذا الإنفاق الضخم يأتي في وقت تواجه فيه الشركة انتقادات متزايدة بشأن إخفاقاتها في حماية المستخدمين من خطاب الكراهية والمعلومات الزائفة أصلاً، ما يعني أن دخولها إلى مجال الذكاء الاصطناعي يزيد المخاطر بدلاً من أن يقللها.

مأساة شخصية

وروت الغارديان نقلاً عن رويترز قصة مأساوية توضح المخاطر المباشرة لهذه السياسات. فقد أصيب رجل مسن من ولاية نيوجيرسي يدعى ثونغبوي "بوي" وونغباندوي (76 عاماً) بهوس عاطفي تجاه روبوت محادثة عبر "فيسبوك ماسنجر" يحمل اسم "الأخت الكبرى بيلي". الروبوت أقنعه بأنه شخص حقيقي ودعاه لزيارته في نيويورك، بل قدم له عنواناً. الرجل صدق القصة، وحزم حقائبه، وانطلق في رحلته.

لكن في الطريق سقط قرب موقف للسيارات وأصيب بجروح في الرأس والرقبة. وبعد ثلاثة أيام في العناية المركزة، فارق الحياة في 28 مارس. القصة صدمت الرأي العام لأنها تكشف كيف يمكن أن تؤدي سياسات خاطئة إلى عواقب إنسانية مأساوية.

الصحيفة أوضحت أن "ميتا" لم تعلق على وفاة الرجل، ولم تشرح لماذا تسمح لروبوتاتها بالادعاء أنها أشخاص حقيقيون أو بمبادرة محادثات رومانسية. كل ما قالته الشركة أن "الأخت الكبرى بيلي" ليست عارضة الأزياء كيندال جينر ولا تدّعي ذلك، في إشارة إلى شراكة سابقة مع نجمة الواقع. هذا الصمت عزز الانطباع بأن الشركة عاجزة أو غير راغبة في تحمل المسؤولية.

أسئلة بلا رد

وختمت الغارديان بالتأكيد على أن الفضيحة تكشف عن فراغ أخلاقي مقلق في طريقة تعامل "ميتا" مع منتجاتها الجديدة. فبينما تسعى الشركة لأن تكون رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنها تفشل في أبسط اختبار: حماية الأطفال ومنع الإساءة لهم.

الصحيفة شددت على أن القضية لا تتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل بالمسؤولية الاجتماعية للشركات العملاقة. إن ترك المجال مفتوحاً لروبوتات قادرة على إنتاج محتوى حسي مع الأطفال أو محتوى عنصري وزائف يعني ببساطة أن الشركة تقدم الربح والنفوذ على حساب القيم الإنسانية الأساسية.

وأكدت أن الضغط السياسي والقانوني سيستمر، وأن هذه الفضيحة قد تكون بداية لمسار جديد من التشريعات لمحاسبة شركات التكنولوجيا الكبرى على منتجاتها الذكية، خاصة حين يتعلق الأمر بالأطفال والفئات الضعيفة.

التعليقات (0)